image
imagewidth (px) 547
547
| text
stringclasses 10
values |
---|---|
الأثرياء؟.. هل يبحث عن كنز ما ؟ .. لا يعلم.. فلم يجد سوى أن يتوجه
بالدعاء إلى الله أن يأخذ أباها ...
رغم أن «خالد» كان يتسم بخفة الظل.. وروحه المبهجة دائما، إلا
أن حبه لـ «منى» ورفض أبيها الدائم له جعل الحزن وشاحا دائما على
وجهه.. حتى لاحظ جده - والذي كان يقترب من عامه الثمانين وكانا
يعيشا معا منذ وفاة والدي «خالد» - حزنه الشديد بعد رفضه تلك المرة،
وقد اقترب منه وسأله:
- أنت لسه زعلان؟ .. أنت المفروض خلاص اتعودت...
رد «خالد» في حزن: - أنا بحبها ومش متخيل أني أشوفها لحد
غيري.. ومش عارف أبوها عاوز أيه!.. مش عارف إن زمن المعجزات
انتهى..
رد جده: - وأنت هتقعد جنبي كده، حاطط إيدك على خدك؟!
«خالد»: - طب هعمل أيه؟...
ضحك الجد وحاول أن يداعبه كي يخفف عنه حزنه:
- لا.. أنت أحسنلك تدفن نفسك في سرداب..
لمعت عينا «خالد».. وكأنه تذكر شيئًا ما:
١١
|
|
- سرداب.. السرداب...
ثم أكمل :
- جدي.. أنت فاكر لما كنت صغير، وكنت لما أعيط تحكيلي عن
قصة السرداب الموجود تحت بلدنا.. وإنك نزلته من أكثر من خمسين
سنة.
رد الجد مبتسما : - أيوه، طبعا فاكر، لما كنت بتعيط.. تحب أفكرك
بأيامك..
ضحك «خالد» : - لأ.. عايزك تحكيلي عن السرداب.. ونزولكم
له.. ابتسم الجد وصمت كأنه يتذكر :
- يااه.. دي أيام فاتت من زمان .. مش فاكر منها إلا القليل.. كنا
أربع شبان بنحب الشقاوة والمغامرة.. وسمعنا كلام كتير بيقول إن فيه
كنز موجود في سرداب بيعدي تحت بلدنا.. وإن السرداب ده كان زمان
مخزن كبير للأغنياء وقت أي غزو ...
- الكل كان عارف إن السرداب ده موجود فعلا .. بس محدش
جرب ينزله؛ لأن معروف إنه مسكون عفاريت، وأي حد هينزله مش
۱۲
|
|
هيخرج منه، بس احنا رمينا الكلام ده ورا ضهرنا .. وقلنا لازم ننزله..
يمكن نلاقي الكنز ده، ونخرج البلد من حالة الفقر اللي كانت فيها...
قاطعه «خالد» وقد ظهر استمتاعه على وجهه :- كمل..
- كنا عارفين إن باب السرداب موجود في بيت مهجور في البلد..
بيت محاط بسور كبير .. وإن هناك صخرة كبيرة موجودة على الباب ده..
وفي ليلة توكلنا على الله .. ورحنا للبيت ده في السر، وقدرنا نحرك
الصخرة وبدأنا ننزل واحد ورا التاني.. ومع كل واحد فينا لمبة جاز..
وبعد ما نزلنا سلم طويييل ولقينا نفسنا في نفق متساوي.. ومشينا كام
خطوة في النفق ده لحد مالقينا نفسنا مش قادرين ناخد نفسنا.. وفجأة
انطفت لمبات الجاز كلها في وقت واحد.. وصرخ واحد فينا .. عفريت
طفي لمبتي.. وبعدها كل واحد فينا خد ديله في سنانه.. ورجعنا جري
على برة.. وركبنا بتخبط في بعضها.. ومن وقتها ومحدش فكر إنه ينزل
تاني..
ضحك «خالد»: - .. بس هتفضل ذكرى حلوة.. وإنكم قدرتوا
تتغلبوا على خوفكم.. حتى لو أخدتوا ديلكم في سنانكم.. ثم ضحك
جده مداعبا له: - متقولش لحد حكاية ديلنا دي..
۱۳
|
|
بعدها عاد «خالد» إلى حجرته.. وقد حاول أن ينام، ولكن
هيهات أن يغمض له جفن.. يفكر كثيرًا فيما أخبره به جده.. هو يعلم أن
ما سمعه يبدو أسطورة.. ولكن السرداب موجود بالفعل، وجده لا
يكذب قط.. ثم نظر إلى الورقة المكتوب بها سبب رفض والد «منى»..
إنه يريد شخصا فريدًا.. شخص يُرضي جنونه.. يحدث نفسه.. إنه لن
يتزوج غير «منى»، وإلا فلن يتزوج.. ثم تحدث إلى نفسه مجددا بصوت
عال:
فيها أيه لو نزلت السرداب.. افرض كان فيه كنز موجود فعلا..
ثم صمت وتحدث لنفسه وكأن شخصا آخر يحدثه..
كنز أيه.. ده كلام مجانين.. ومتنساش إن السرداب ده مسكون
عفاريت، وأشباح.. وأنا أكثر واحد عارفك.. أنت في بعض الأوقات
بتخاف من خيالك.. ثم عاد مجددا:
لوكنت جبان يبقى متستحقش «منى».. أنت عاجباك حياتك
كده.. خريج كلية تجارة وشغلك ملوش أى صلة بالتجارة.. درست
أربع سنين عشان تخرج تشتغل في مخزن أدوية.. ولولا إنك ساكن
لوحدك مع جدك كان زمان مرتبك خلصان في نص الشهر..
١٤
|
|
ثم أكمل:
لوكنت بتحب «منى» فعلا.. مت شجاع عشان حبها.. أثبت
لنفسك ولها أنك بتحبها فعلا.. ولو لقيت الكنز ده هتكون أشهر واحد
في البلد دي.. لا في مصر.. لا في العلم كله.. حتى لو ملقتوش، كفاية
إنك تحاول في سبيل حبك ...
ثم انتفض من على سريره.. وأخرج صورة لـ«منى».. ونظر إليها
وكأنه يحدثها :
أنا هنزل السرداب ده.. هنزل مهما حصل.. وإن كان أبوكي
مجنون.. فأنا أوقات كثيرة بكون الجنون نفسه...
*** |
|
(٢)
كان «خالد» يظن أنه يتحدث إلى نفسه وحيدًا.. ولكنه لم يكن
يعلم أن هناك من يسمع حديثه إلى نفسه بصوت عال خارج الحجرة..
حيث كان يقف جده مجاورًا لباب الحجرة، ويستمع إلى ذلك الحديث
وصياحه إلى صورة «منى».. ورغم هذا لم تبدُ على وجه جده أي نوع من
أنواع الدهشة، وكأن ما سمعه - من حديثه عن نزوله السرداب - أمر لا
يمثل له أي اختلاف، بل يبدو وكأنه أمر يتوقع حدوثه.. وظل واقفًا
هكذا حتى صمت «خالد»، وأغلقت أنوار حجرته، وساد الهدوء
المكان، ولم يقطع هذا الهدوء إلا ذلك الصوت المميز الذي يعلمه جده
جيدًا حين ينام «خالد»..
***
بعدها غادر هو الآخر متكئًا على عصاه إلى حجرته حيث جلس
صامتًا على أريكته بعضًا من الوقت لم يتجاوز دقائق، وكأنه يفكر فيما
سمعه من حديث «خالد» إلى نفسه، ثم حرّك عصاه ليجذب بها
صندوقًا خشبيًا صغيرًا يبدو عتيقًا، حتى فتحه فأخرج منه (ألبوم) قديمًا
١٦
|
|
للصور، غطى بالكثير من الأتربة.. وبعدما أزاح الأتربة عنه بدأ يقلب
في صفحاته صفحة تلو الأخرى، ويشاهد ما بها من صور .. حتى توقف
كثيرا عند إحدى الصور ..
***
في اليوم التالي استيقظ كل من «خالد» وجده مبكرًا كما تعودا
دائما .. فـ «خالد» لديه عمله المبكر، وجده لا ينام بعد صلاة الفجر،
ويظل يقرأ في كتاب الله حتى ينهض «خالد» فيتناولا إفطارهما معا...
والذي تعده لهما فتاة تسكن بجوارهما قد اعتادت على ذلك منذ
سنوات.. حتى جلس «خالد» وكان ينظر إلى جده بين الحين والآخر
وكأنه يريد أن يخبره بشيء.. حتى قطع صمته وسأل جده:
- عبده ( كما كان يجب أن يناديه ) .. أنت تقدر تعيش لوحدك ؟
نظر جده إليه.. وأظهر أنه لا يفقه سؤاله:
- أنت عاوز تسافر ولا أيه؟!
صمت «خالد».. ثم نظر إليه مجددًا:
- لو سافرت لفترة قليلة.. تقدر تعيش لوحدك ؟ ثم أكمل وكأنه
يوضح كلامه
۱۷ |
|
- أنا عارف إن كلامي صدمة لك.. بس أنا قررت إني أسيب
البلد لفترة.. وأقسم لك إني هرجع في أسرع وقت.. ومش هتحس
بغيابي أبدًا.. ثم حاول أن يجد مبررا الحديثه:
- أنا مسافر أي مكان ألاقي فيه نفسي.. أحس فيه بوجودي.. أنت
عارف ابن ابنك خريج كلية التجارة بيشتغل أيه؟
رد جده :- آه.. شغال في مخزن أدوية..
رد «خالد» وأظهر حزنه: - ابن ابنك شغال شيال في مخزن أدوية..
شيال.. هات الكرتونة دي، حطها هنا.. خُد الكرتونة دي وديها هناك
ثم هم بالوقوف ليغادر.. وقال الجده:
- هسافر فترة مش طويلة.. ثم التفت خارجا، حتى أوقفته كلمات
جده:
- أنت ليه بتكدب يا «خالد»؟!.. أنت ليه مش عاوز تعرفني إنك عاوز
تنزل السرداب؟!
كانت تلك الكلمات كالصاعقة التي وُجهت إلى «خالد».. فقد
اختلق رغبته في السفر لفترة كي لا يعلم جده بذلك، ويظن أنه أصيب
بالجنون.. ولا يعلم كيف عرف جده بنيته.. حتى نظر إليه:
۱۸
|
|
- سرداب ؟!.. أنت عرفت منين؟!!.. أقصد سرداب أيه.. وكلام
فاضي أيه..
أكمل جده:
- عرفت من زمان .. من زمان جدًا .. ثم أمره بالجلوس مجددًا.. وسأله
في جدية :
-أنت عاوز تنزل السرداب ليه ؟
صمت «خالد».. ثم تحدث وحاول أن يجعل الحديث مزحة:
- أنت ليه مصمم على حكاية السرداب دي.. أنا بقولك أنا هسافر ..
أعاد جده نفس سؤاله :- «خالد».. أنت عاوز تنزل السرداب ليه؟
لم يجد «خالد» مفرا من الحديث سوى أن يخبره بالحقيقة.. فقال
بعد أن زفر زفيرا طويلا:
- عاوز أنزل عشان أثبت لـ «منى» وأبوها إني بطل.. إني مختلف عن
غيري..
فسأله جده :- بس!
أجاب «خالد» في تعجب من سؤاله:
- أيوه بس.. ثم أكمل:
۱۹ |
|
- ومين عارف، يمكن ألاقي الكنز اللي نزلتوا له قبل كدة..
كرر جده:- بس!...
«خالد»: - أيوه
تحدث جده في جدية : - أنت مش عاوز تنزل عشان كده.. نظر إليه
«خالد».. ولاحظ الجدية التي لم يرها على وجه جده من قبل.. حتى
أكمل جده:
- افرض إن «منى» اتجوزت حد تاني، هتنزل السرداب ولا لأ؟
صمت «خالد» مفكرًا لبعض الوقت.. وقد أكمل جده مجددًا:
- عمري ما هصدق إنك عاوز تنزل عشان «منى».. أنت عاوز
تنزل لسبب تاني تمامًا.. سبب نزولي ونزول غيري.. السبب اللي بيجري
في دمنا.. دمي، ودمك، ودم أبوك.. السبب هو حبنا للمجهول.. حبنا
للتمرد.. حبنا لاكتشاف حاجة جديدة.. حبنا للاختلاف..
- أردف:
- لما كنت صغير كنت بحكيلك عن السرداب وأنت بتعيط..
ويمكن كنت بتبص لها إنها مجرد حكاية عشان اسكتك بيها، ومتعرفش
إني كنت بنمي فيك السبب ده.. وصدقني كنت عارف إن هيجي يوم
٢٠.
|
README.md exists but content is empty.
- Downloads last month
- 65