image
imagewidth (px) 1.08k
1.87k
| markdown
stringlengths 202
3.51k
|
---|---|
#### (٥-٤) إدموند هالي
لاحظ إدموند هالي (توفي ١٧٤٢م) E. Halley علاقة انحراف القمر والمد والجزر في تونكوين Tonquin، والتي أظهرت ملاحظات المؤرخة الأمريكية فرانسيس دافنبورت F. Davenport أنها كانت نهارية. لكن القانون الذي اقترحه للتأكُّد من ارتفاع المياه العالية أو المنخفضة في خطوط الطول المُختلفة للقمر، غير صحيح بشكلٍ واضح. وفي المناقشة نفسها، اقترح وجود عدم مساواة في «نطاق المد الربيعي» (أي نطاق مدار كبير) الذي يعتمِد على ميل مدار القمر على مستوى خط استواء الأرض. وفي عام ١٦٩٧م، استرعى هالي الانتباه إلى تميُّز مبدأ نيوتن في شرح سبب ظواهر المد والجزر. حيث إنه لاحظ أن قوة القمر المُزعجة ستؤدي إلى أن يُصبح سطح الكرة المُحيطي كرويًّا، وأن الشمس والقمر لهما آثار مُماثلة، وأن المد والجزر الربيعي يتوافق مع القمر وهو في طوري الهلال والبدر. وأن المد والجزر الربيعي مُتساوي الطول هو الارتفاع، لكن قرب الشمس في فصل الشتاء يحلُّ بها إلى حدٍّ ما، مما يجعلها في فبراير (شباط)، وأكتوبر (تشرين الأول)؛ في حالة عدم مساواة نهارية؛ لكن عدم المساواة في المد والجزر يجب أن يكون لها زمن؛ وأن المد والجزر حتى اليوم، مثل تلك الموجودة في تونكوين، قد حُسِب.٤٢ |
|
فابتهج قلبه — على أساه — لهذه العبارة التي تنمُّ عن الجزع، وقال مُنفعلًا: هذا آخِر لقاء قبل السفر، والله وحده يدري متى يكون اللقاء التالي، وإني لفي حيرةٍ يا حميدة ما بين الحزن والسرور؛ أجِدني محزونًا لأني مُبتعد عنك، ثمَّ أجدني مسرورًا لأنَّ هذا الطريق الطويل الذي اخترتُ هو الطريق الوحيد المُفْضِي إليكِ. ولكني سأترك قلبي ورائي في الزقاق، فتَصَوَّري رجلًا مهاجرًا بلا قلب، رمى به السفر إلى بلدٍ ناءٍ، وأبى قلبُه أن يُسافر معه. وغدًا في التل الكبير، وعند مطلع كل صباح، سأفتقد النافذة المحبوبة التي كنتُ أراك تكنُسِين حافتها، أو تمشطين شعرك وراء فُرْجة مصراعيها، وهيهات أن أجد لها أثرًا. ولقاؤنا في الموسكي والأزهر ماذا يبقى لي منه؟ أوَّاه يا حميدة، هذا ما يتقطَّع له قلبي. دعيني آخُذ منك كل ما أستطيع أخذه. ضعي راحتك في يدي، وشُدِّي على يدي كما أشدُّ على يدك. لله ما أطيب مَسَّكِ، إنه يرعش قلبي، إنه قلب كبير بين يدَيك، يا عزيزة، يا حبيبة، يا روح قلبي يا حميدة. ما أجمل اسمك، كأني إذا نطقتُ به أستحلب سُكَّرًا! |
|
وأدع الإشارة إلى محاولات قام بها السلف، ولا يزال العلماء من أهل عصرنا يعالجون القيام بمثلها ابتغاء الاتصال بالعالم في وحدته التي تشتمل الزمان والمكان، وإلى محاولات غيرها يبتغي العلماء بها تفسير هذا الاتصال على الطريقة العلمية الحديثة، وأدع الإشارة كذلك إلى أن المذاهب الفلسفية ترمي كلها إلى تصوير الكون بدءًا وغاية، وإلى أنها تستمد هذا التصوير من وَحْي الحياة ما كان منها وما يكون، ما كشف عنه العلم وما يزال مطويًّا في سر الغيب، وهذه المذاهب تقتتل ويتَّهم بعضها بعضًا بقصور وسائله عن دَرَك الغاية، أو بنزوع وسائله منزعًا لا يقف في حدود العلم وطريقته، بل ينحو نحو المنطق التجريدي «الميتافيزيقي» المتَّهم في نظر الواقعيين بالرجعية، فلو أنني حاولت هذه الإشارة لطال بي الاستطراد إلى ما لا يتسع له هذا التقديم، ثم لرأى القارئ أمثال «برجسون» — صاحب نظرية الإلهام والتطور المنشئ — يُغمَزون برجعيةٍ كالتي أُغمَز اليوم بها، وحسبي عزاء أن ما غُمِزوا به لم يَحُلْ بين الجمهور المثقف والعناية بمذاهبهم، حرصًا من هذا الجمهور على اجتلاء الحق الذي تنطوي هذه المذاهب عليه، بل إن هذا المغمز بالرجعية ليزيدني غبطةً بما لقيته بحوثي هذه من عناية القراء والباحثين بها عناية كانت الشهيدة على ما حباني الله من توفيقه في التحدث إلى الناس حديثًا يرونه جديرًا بالاستماع له. |
|
بَيْنَ الْأَهِلَّةِ بَدْرٌ مَا لَهُ فَلَكُ
قَلْبِي لَهُ سُلَّمٌ وَالْوَجْهُ مُشْتَرَكُ
إِذَا بَدَا انْتَهَبَتْ عَيْنِي مَحَاسِنَهُ
وَذَلَّ قَلْبِي لَعَيْنَيْهِ فَيَنْهَتِكُ
ابْتَعْتُ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا مَوَدَّتَهُ
فَخَانَنِي، فَعَلَى مَنْ يَرْجِعُ الدَّرَكُ؟!
كُفُّوا بَنِي حَارِثٍ أَلْحَاظَ سَيْفِكُمُ
فَكُلُّهَا لِفُؤَادِي كُلِّهِ شَرَكُ
يَا حَارُ لَا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ
لَمْ يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلَا مَلِكُ |
|
وقال أخيرًا: «أستطيع أن أُخبرك بها في كلماتٍ قليلة جدًّا يا سيد هولمز. لكن بعض الأشياء ذِكرُها مؤلم وشاقٌّ على النفس؛ لذلك لن أُوغِلَ في الكلام أكثر من القدْر الضروري. لقد قابلتُ زوجتي عندما كنتُ أُنقِّب عن الذهب في البرازيل. كانت ماريا بينتو ابنةَ أحد المسئولِين الحكوميِّين في مدينة ماناوس، وكانتْ فائقة الجمال. كنتُ أنا في تلك الأيام شابًّا مُلتهبَ العاطفة، لكنني في هذه اللحظة حتى، عندما أنظر خلفي بعاطفةٍ أقلَّ تأججًا وعينٍ أكثر ميلًا إلى النقد، فإنني لا أزال أرى أنها كانت تتمتع بجمالٍ نادرٍ مدهش. لقد كانت شخصيتُها علاوةً على ذلك شخصيةً فياضةً شديدةَ الإخلاص، وكانت تتمتع بعاطفةٍ متَّقدةٍ ومشاعر صادقةٍ كأبناء المناطق الاستوائية الذين تتحكم فيهم عواطفهم. لقد كانت مختلفة تمامًا عن النساء الأمريكيات اللواتي عرفتُهن من قبل. حسنٌ، باختصار، لقد أحببتُها وتزوجتُها. لكنني لم أُدرك أنَّ أحدَنا لم يكن يُشبه الآخر في شيء؛ في أي شيءٍ البتة إلا عندما انتهى ذلك التعلُّقُ المؤقت، الذي ظل يُقاوِم الموت لسنوات. لقد خَبَتْ حرارةُ حبي، ولو أن حُبها قد فقدَ حرارته هو الآخر لكان الأمر صار هيِّنًا أكثر. لكنك تعرف طبيعة النساء العجيبة! ومهما كان ما فعلتُه، فإن شيئًا لم يستطع أن يصرفها عني. ولو أنني كنتُ قاسيًا معها، أو حتى متحجر الفؤاد كما قال بعضهم، فلم يكن هذا إلا لأنني ظننتُ أني لو تمكنتُ من قتل حبها، أو لو أنه كان استحال بُغضًا، لأراح هذا كلَينا، لكنَّ شيئًا لم يُغيِّرها. لقد ظلتْ مُولعةً بي ونحن في تلك الغابة الإنجليزية الصغيرة ولَعَهَا نفسَه الذي ابتدأ منذ عشرينَ سنةً على ضفاف نهر الأمازون. ومهما كان الذي فعلتُه، فقد بقِيَتْ على إخلاصها الذي لا يتغير. |
|
بالنسبة للعبارات المفردة فإن إثبات كذبها — إذا كانت كاذبة — يمكن في التوِّ واللحظة، وعلى الرغم من أن هذه العبارات أساس عملية التكذيب، فإنها ليست موضوع مشكلة التمييز بين العلم واللاعلم، فهذه مشكلة القضايا الكلية، صورة القوانين والنظريات، والطبيعة الكلية العمومية لقوانين ونظريات العلم تعني استحالة مواجهتها بالواقع التجريبي؛ لأنها تتحدث عن أفق لا نهائيٍّ، يستحيل حَصْرُه في فئة عبارات أساسية معينة في زمان ومكان معيَّنَيْن، يُمْكِن إخضاع ما يَضُمَّانه لنطاق اختبار تجريبي، فكيف يمكن الكشف إذَنْ عن كونها قابلة للتكذيب أو غير قابلة له؟ يمكن هذا عن طريق استنباط عبارات مفردة من النظرية، يسهل أن نواجهها بالوقائع، فيكون الاستدلال التكذيبي استدلالًا استنباطًا صِرْفًا هابطًا من الكليات إلى جزئيات، لكن مجرد استنباط عبارات مفردة من النظرية لا يعني أن النظرية علمية؛ إذ لكي نستنبط عبارات مفردة من النظريات — التي هي كلية — سنحتاج حتمًا إلى عبارات مفردة أخرى تُمَثِّل الشروط المبدئية لما يجب أن تخضع له متغيرات النظرية، وفي اختبار التكذيب تكون النظرية إحدى مقدمات الاستنباط، وبقية المقدمات عبارات مفردة أخرى تخدم — كشروط أساسية — لحدوث ما تخبر به النظرية، والذي سيكون نتيجة الاستنباط التي نقابلها بالوقائع التجريبية. |
|
#### المشهد الرابع
(كليونت (مُتنكرًا بزي تركي، ثلاثة حُجَّاب يُمسكون بذيل ردائه) – السيد جوردان – كوفييل (مُتنكرًا))
كليونت : إمبوساهم أوكي بوراف، ليوردينا سلامليكي.
كوفييل : يعني ليكن قلبك يا سيد جوردان كوردة مُفتَّحة طول السنة، هذا اصطلاح من الاصطلاحات التركية.
السيد جوردان : إنِّي خادم سموه التركي المطيع.
كوفييل : كريكار كمبوتو أوستن موراف.
كليونت : أوستن يوك كتاماليكي بوسم باز الله موراف.
كوفييل : يقول: لتعطك السماء قوة الأسود وحكمة الأفاعي.
السيد جوردان : إنَّ سموه التركي يشرفني كثيرًا، وإني لأتمنى له جميع أنواع الخيرات.
كوفييل : أوسا بنيامن سادوك بابلي أوراكاف أورام.
كليونت : بل من.
كوفييل : يقول إنك ستسرع بتهيئة نفسك للاحتفال، ثم يجتمع بابنتك ويعقد الزواج.
السيد جوردان : كل هذا بكلمتين.
كوفييل : نعم؛ فاللغة التركية هي هكذا، تقول أشياء كثيرة بقليلٍ من الكلمات، هيا عجِّل بتهيئة نفسك.
(يخرج السيد جوردان وكليونت.) |
|
إنَّ برهان فيثاغورس لا يقبل الجدَل، وهو يوضح أنَّ مبرهنته تنطبقُ على جميع المثلَّثات القائمة الزاوية في الكونِ بأكمله. لقد كان هذا الاكتشافُ عظيمًا للغاية، حتى إنَّ مائة ثورٍ قد قُدِّمت للآلهة تعبيرًا عن الامتنان. كان هذا الاكتشافُ علامةً بارزةً في الرياضيَّات، وأحدَ أهمِّ الإنجازات في تاريخ الحضارة. وتتجلى أهميته في جانبين: أولهما هو تشكيلُ فكرة البرهان. فالنتيجة الرياضية المثبَتة تنطوي على حقيقةٍ أعمقَ من أيِّ حقيقة غيرها؛ لأنها نتيجةٌ مستمَدَّة من خطوات منطقية. وبالرغم من أنَّ الفيلسوف طاليس كان قد ابتكَر بالفعل بعضَ البراهين الهندسية البُدائية، فقد طوَّر فيثاغورس من الفكرة كثيرًا وتمكَّن من إثبات عبارات رياضية أكثرَ براعةً. وأما الجانب الثاني من أهميَّةِ مبرهنة فيثاغورس فهو أنه يربط النهجَ الرياضيَّ المجرد بشيء ملموس. أوضح فيثاغورس أنَّ الحقيقة الرياضية يُمكن أن تنطبق في عالم العلوم وتُمِده بالأساس المنطقي. فالرياضيات تُمِد العلوم ببدايةٍ دقيقة، ثم يُضيف العلماءُ على هذا الأساس السليم تمامًا، قياساتٍ غيرَ دقيقة وملاحظاتٍ مَعيبة. |
|
وبعدُ، فأقول — وأنا المفتقرة إلى الله، وبه أستعين، زينب بنت علي فواز بن حسين بن عبيد الله بن حسن بن إبراهيم بن محمد بن يوسف فواز، السورية مولدًا وموطنًا، المصرية منشأً ومسكنًا: إنه لما كان علم التاريخ أحسن العلوم، وأفضل المنطوق والمفهوم كثرت رجاله، واتسع نطاقه، وانتشرت في الخافقين صحفه وأوراقه؛ لأن أهل كل طبقة، وجهابذة كل أمة قد تكلموا في الأدب، وتفلسفوا في العلوم على كل لسان، وخاضوا في بحر تاريخ كل زمان، وكل متكلم منهم أفرغ غايته وبذل مجهوده في اختصار تاريخ المتقدمين، واختيار أهم المشهورين من السالفين، وبعضهم ألف المطولات في ذلك حتى احتاجت إلى اختصار، ولم أرَ في كل ذلك من تطرَّف وأفرد لنصف العالم الإنساني بابًا باللغة العربية جمع فيه من اشتهرن بالفضائل، وتنزهن عن الرذائل، مع أنهن نبغ منهن جملة سيدات لهن المؤلفات التي حاكين بها أعاظم العلماء، وعارضن فحول الشعراء، فلحقتني الحمية والغيرة النوعية على تأليف سفْرٍ يسفر عن مُحَيَّا فضائل ذوات الفضائل من الآنسات والعقائل، وجمع شتات تراجمهن بقدر ما يصل إليه الإمكان، وإيراد أخبارهن من كل زمان ومكان. |
|
كانت أسواق السيارات في أمريكا اللاتينية أصغر حجمًا. في خمسينيات القرن العشرين، كانت حوالي ٥٠ ألف سيارة جديدة تباع سنويًّا في الأرجنتين. اشترط مرسوم السيارات لسنة ١٩٥٩ أن يكون ٩٠٪ على الأقل من مكونات السيارات المبيعة في البلاد مصنَّعًا فيها. زاد إنتاج السيارات بنسبة ٢٤٪ سنويًّا حتى عام ١٩٦٥، عندما أنتجت ١٩٥ ألف سيارة، وكانت صناعة السيارات تمثِّل ١٠٪ من حجم الاقتصاد. بدا نموذج إحلال الواردات بالتصنيع ناجحًا للغاية من حيث نمو الإنتاج، ولكن كان حجم الصناعة أصغر بكثير من أن يحقق مستوى الإنتاج الذي تحقِّقه الاقتصادات الكبيرة الحجم. وفاقم من مشكلة صِغَر حجم السوق المحلية تقسيمها بين ١٣ شركة كانت أكبرها تنتج ٥٧ ألف سيارة فقط، فترتَّب على ذلك أن بلغت تكلفة إنتاج سيارة في الأرجنتين ٢٫٥ مرة أكثر من تكلفة إنتاجها في الولايات المتحدة. لم تستَطِعْ الأرجنتين المنافسة دوليًّا في ظل هذه البنية الصناعية، بل وأدى قطاع تصنيع السيارات إلى دفع كفاءة الاقتصاد بأسره إلى أسفل، ونظرًا لأن المشكلة نفسها تكررت مع صناعات الصلب والبتروكيماويات والصناعات الأخرى، لعب نموذج إحلال الواردات بالتصنيع دورًا كبيرًا في خفض إجمالي الناتج المحلي لكل عامل، ومن ثَمَّ خفض المستوى المعيشي. |
|
ويُمكن استيضاح بعض الالتباسات التي نتجت عن نظرية الفلوجستون باختصارٍ من المصطَلَحات المذكورة أعلاه. على سبيل المثال: يُشير مصطلح «الغازات الاصطناعية» إلى غازاتٍ مشتقة من موادَّ صلبة. ويعمل تسخين الطباشير (كربونات الكالسيوم، علمًا بأن كلًّا من الطباشير والكالسيوم مرتبطٌ بالكلس أو الجير) على إنتاج «الهواء المثبَّت» (ثاني أكسيد الكربون). ويُصوِّر الشكل ٥-١٤ (انظر الصورة ١١ من الشكل)26 الجهازَ الذي كان يستخدمه بريستلي في جمع الغازات الاصطناعية من المواد الصلبة التي كان تُسخَّن في ماسورةِ بندقيةٍ جزءٌ منها موضوعٌ في مِدْفأة. يُجمَع الغاز في أنبوب مملوء بالزئبق ومقلوب في طبقٍ يحتوي على الزئبق أيضًا (انظر الصورة ١١ من الشكل ٥-١٤). كذلك يمكن الحصول على غاز الأكسجين من خلال تسخين الكلسات الصلبة، بما في ذلك أكسيد الزئبق الثنائي HgO أو ثاني أكسيد المنجنيز (MnO2). ومن ثَمَّ، فإن كلًّا من ثاني أكسيد الكربون والأكسجين «غازٌ اصطناعي». ما من مشكلةٍ حتى الآن، ومع ذلك، فإن إضافة الزنك إلى حمض الكبريتيك (زيت الزاج) تُنتِج غازًا اصطناعيًّا آخَر — وهو الغاز غير القابل للاشتعال (الهيدروجين H2) — يتم الحصول عليه ﺑ «وضوح» من المعدن الصلب. في الواقع، ظنَّ كافنديش أن الغاز القابل للاشتعال هو الفلوجستون عندما عزله عام ١٧٦٦. والحقيقة أن الهيدروجين يَنتج من محلول الحمض المائي؛ نظرًا لأن الماء يتكوَّن من الهيدروجين والأكسجين، إلا أن أحدًا لم يتوصَّل إلى هذا الاكتشاف إلا في بدايات عَقْد الثمانينيات من القرن الثامن عشر. |
|
وهذا بعض ما أيأسهم من المعارضة تيقُّنًا أنه لا قبل لهم بها، واستبصارًا في حقيقة هذا الكلام، وأنه مما لا يستشري الطمع فيه، وأنه وحيٌ يوحَى؛ وهو عينه أيضًا بعض ما اجتذبهم إليه وعطفهم عليه، حتى كان بلغاؤهم يستمعونه وتصغَى إليه أفئدتُهم، ثم يتلاومون على ذلك؛ كما مرَّ في خبر أبي جهل وصاحبيه، وحتى قالوا كما حكى الله عنهم وأسجله عليهم في كتابه؛ ليكون ثَبْتًا تاريخيًّا للعقل الإنساني: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ. فجعلوا كل أمرهم وأمره في آذانهم كما ترى، وما هي إلا سبيلُ الكلام إلى النفس؛ وكأنهم أقروا أنهم المغلوبون ما سمعوه،٢١٧ وليس في البيان عما نحن فيه أبين من هذا إخبارًا عن الحقيقة أو حقيقةً من الخبر٢١٨ أو خبرًا حقًّا. |
|
لقد دقَّق مايكل ليبوف فيما جمعه من بيانات العملاء، وافترض النظرية التالية لتوضيح ما يشتريه الناس حقًّا: «على الرغم من كم المنتجات والخدمات المعروضة للبيع التي لا تُحصى في السوق الحالية، فإن العملاء سيُنفقون أموالهم التي حصلوا عليها بشِق الأنفس من أجل الحصول على أمرين فقط: الشعور الجيد [و] حلول للمشاكل» (ليبوف، ٢٠٠٠: ٢٣). هذه نظرية جيدة، وبها نزعة نفعية ما، تتمثل في فكرة أن الأفراد ينفقون وقتهم (ومالهم) سعيًا وراء المتعة وتجنبًا للمشقة. إنها القاعدة التسويقية البديهية القديمة التي تقول إنك لا تشتري المثقاب، بل تشتري الثقوب التي يُحدثها المثقاب. إن فهم هذه الحقيقة البسيطة يمكن أن يساعد شركة مثل «بلاك آند ديكر» على الدخول في مجال الليزر، باعتباره تقنية أخرى لثقب الأشياء. كما أن تلك النظرية تُعطي تفسيرًا لإقدام الكثير من الناس على شراء أوراق اليانصيب؛ فهم في الواقع يشترون حلمًا منخفض التكلفة. قدَّم تشارلز ريفسون، مؤسس إمبراطورية مستحضرات التجميل «ريفلون»، طلاء الأظافر وأحمر الشفاه متناسقي الألوان خلال فترة الكساد الكبير، وأمطر العديد من المعلقين ألوانه الزاهية بوابل من الانتقادات واصفين إياها ﺑ «الهابطة»، ولكن من خلال تقديمه مجموعةً من الأزياء الجديدة العصرية — ومنحه مشاعر طيبة لملايين السيدات — تمكن من تحويل منتج ذي هوامش ربحية منخفضة إلى منتج مربح للغاية. لقد كان، في الواقع، يعلم أنه يبيع الأمل. كذلك وضعت شركة «أبجون» إعلانًا للعلامة التجارية «روجين» يقول: «أيها السادة، فلتبدءوا في زرع بصيلاتكم.» إن «روجين» لا تبيع الشَّعر (لا يمكنها أن تدَّعي ذلك قانونيًّا؛ لأنها لا تنجح بنسبة ١٠٠٪ في ذلك)، لكنها تبيع الأمل، وتعكس إعلاناتها هذا الدافع. |
|
تُعرَّف الفوضى على المدى الطويل. يقتصر وجود النمو الأسي المنتظم في عدم اليقين على أبسط النظم الفوضوية. في حقيقة الأمر، يُعَدُّ النمو المنتظم نادرًا بين النظم الفوضوية التي تُظهِر عادةً «نموًّا أُسيًّا فعَّالًا»، أو ما يطلق عليه أيضًا نمو أسي في المتوسط. يُحسَب المتوسط في حدود رقم لا نهائي من التكرارات، ويُطلق على الرقم المستخدَم في قياس هذا النمو «أُس ليابونوف». فإذا كان النمو أسيًّا بحتًا، وليس أسيًّا في المتوسط، فيمكن قياسه من خلال التمثيل الرياضي λ t، حيث تُمثِّل t الزمن وλ أُس ليابونوف. يتألف أُس ليابونوف من وحدات بيانات عند كل تكرار، ويشير الأُس الموجب إلى عدد وحدات البيانات التي زادها عدم يقيننا «في المتوسط» بعد كل تكرار. يتضمن أيُّ نظام عددًا من آساس ليابونوف بقدر ما يوجد من اتجاهات في فضاء حالته، وهو ما يساوي نفس عدد المركبات التي تؤلف الحالة. للسهولة، تُدرج الآساس في ترتيب تنازلي، ويُطلَق على الأُس الأول — الأكبر — عادةً «أُس ليابونوف الرئيسي». في الستينيات، أكَّد العالم الرياضي الروسي أوسيليدك على أن أُس ليابونوف موجود في مجموعة واسعة من النظم المتنوعة، وبرهن على أنه في كثير من النظم يكون للشروط المبدئية «تقريبًا كلها» آساس ليابونوف نفسها. بينما يُحدَّد أُس ليابونوف من خلال تتبع المسار اللاخطي لأحد النظم في فضاء حالة، لا تعكس هذه الآساس إلا النمو في عدم اليقين كأقرب ما يكون لذلك المسار المرجعي اللاخطي، وما دام عدم يقيننا لا متناهيَ الصغر فهو لا يكاد يُلحق ضررًا بتوقعاتنا. |
|
سكت الشاب في أول يوم، وفي اليوم الذي يليه، فلما كثر ذلك انتظر حتى انصرف الشيخ، وقال للصبيِّ أمام أمه: إنك تخدع أباك وتكذِب عليه، وتلعب في الكتَّاب، ولا تحفظ من الألفية شيئًا. قال الصبي: إنك كاذب! وما أنت وذاك؟ وإنما الألفية للأزهريين لا لأبناء المدارس! وسلْ القاضي يُنبئْكَ بأني أذهب إلى المحكمة في كل يوم. قال الشاب: أيَّ باب حفظتَ اليوم؟ قال الصبي: باب كذا. قال الشاب: ولكنك لم تقرأ هذا الباب على أبيك، وإنما قرأتَ عليه باب كذا، وهاتِ نسخة الألفية أمتحنك فيها! بُهت الصبي وظهر عليه الوجوم، وهمَّ الشابُّ أن يقصَّ القصة على الشيخ، ولكنَّ أمه توسَّلت إليه، وكان الشاب رفيقًا بأمِّه رءوفًا بأخيه، فسكت. وظلَّ الشيخ على جهله حتى عاد الأزهريُّ، فلمَّا عاد امتحن الصبيَّ، وما هي إلا أن عرف جليَّة الأمر، فلم يغضب ولم يُنذر ولم يُخبر الشيخَ، وإنما أمر الصبي أن ينقطع عن الكُتَّاب والمحكمة، وأحفظه الألفيَّة كلها في عشرة أيام. |
|
ولكن الرواقيين رفضوا هذا التحليل دون أدنى شَكٍّ. فقد أكدوا على أهمية وجود مسئولية واقعة على الناس فيما يَخُصُّ أفعالَهم وسلوكهم، تمامًا كما قال الأبيقوريون. فإذا لم يكونوا مسئولين فلا داعي إذن لأن تُقدَّم إليهم النصائح الفلسفية أو العلاج الرُّوحي. وقد أنكر الأبيقوريون ببساطة فكرة القدر مستعيضين عنها بفكرة الانحراف العشوائي للذَّرَّات لكسر سلسلة الأسباب والنتائج، فرفضوا فكرة حدوث الشيء لحتمية حدوثه، أما الرواقيون فقد شددوا على هذه الحتمية؛ ولذلك فقد حاولوا البحث عن مَخرَج يُخلِّصُهم من المشكلة التي تستدعيها فكرة القَدَر. وهنا نجد أن جزءًا من إجابتهم عن هذا التساؤل يأتي بشكل مختزَلٍ في قصة أخرى صغيرة عن زينون، وتقول القصة إن زينون كان يَجلِد عبدًا بتهمة السرقة، فقال له العبد: «إنما القدَر هو الذي جعلني أسرق.» فرد عليه زينون: «وإنما القدر هو من جعلك تُجلَد.» والمغزى أن وجود القدر ليس من شأنه تغيير كل أنماط السلوك، فيمكنك أن تستمر في العقاب وإلقاء المواعظ ولَوْم الآخرين ومدحهم بشكل طبيعي، وكل ما في الأمر أنه على الإنسان أن يعترف أن كل شيء يحدث في الوجود — بما في ذلك أفعاله — إنما يقع تحت إمرة القدر. وبهذا فقد كان قَدَرُ كاتو أن يصبح بطلًا، أما قيصر فقدره أن صار طاغيةً. أما زينون وكريسيبوس وإبيكتيتوس والفلاسفة الرواقيون الآخرون فقُدِّرَ لهم أن يبحثوا في مسائل الفضيلة والواجب والعقل وما إلى ذلك. |
|
في سنة ١٩٢١، سنة ١٩٢٢ تطلعت الأنظار في روسيا وخارجها إلى جماعة من أدباء الشباب أطلقوا على أنفسهم اسم «إخوان سرابيون»، وهو اسم أحد شخصيات الكاتب الألماني إ. ت. أ. هوفمان، لم يجمع هؤلاء الكتاب مدرسة أدبية متمايزة لها نظمها في التفكير أو وحدتها في الأسلوب أو في طريقة معالجة القصص، ولكنهم جماعة من الأصدقاء شعراء وكتَّاب جمعتهم صداقتهم، أو بمعنى آخر جمعتهم مواظبتهم على استماع محاضرات الكاتب القصصي زامياتين، وجذبهم ما كان يجري في روسيا إذ ذاك، وشعروا بميْلٍ لوصف وتسجيل ما كان يدور في روسيا دون تميُّز وأقنعوا أنفسهم بأنهم أحرار يستطيعون كتابة وتدوين ما يرون دون خشية السلطات، ولكنهم في تصويرهم لمشاهداتهم صوروا الحوادث من ظواهرها الخارجية، ولم يستطيعوا التغلغل في بواطن الأمور، فهم ليسوا من فحول الكتاب، ولذا كانوا يتبعون في كتابتهم ذلك التيار الجارف الذي سلط على كتاب الوصف، والذين يطلق عليهم الكتَّاب الآليون، فنجد بين إخوان سرابيون من يتبع الكتَّاب الآليين أمثال فزيفولود إيفانوف، نيكولاي نيكيتين، فهما ممن خضعوا لنظم الكتابة الآلية، ومع ذلك نجد بين إخوان سرابيون بعض المبرزين في الأدب الروسي اليوم أمثال زوتشينكو، فدين، كافرين. تشعبت حياة إخوان سرابيون الأدبية، واتخذ كل منهم منهجًا يسلكه، ولكن اثنين منهم على الأقل وهما فدين وكافرين لعبَا دورًا هامًّا في إحياء الرواية الروسية إبان النهضة التي بدأت سنة ١٩٢٤، والتي أدت إلى تقدم الأدب الروسي السوفييتي بعد أن نكبته الثورة الروسية. |
|
يفسر مسلك السيد النقيب الذي كفل له الوصول إلى غايته هذه — وإن دفع ثمنًا باهظًا بعد ذلك لنجاحه الذي أدركه — جملة حوادث، منها أنه لم يعتكف ولم ينزوِ، بل اشترك في الحياة العامة، وثابر على التمسك بمظاهر الصدارة، يوزع التفاته إلى السلطات الحاكمة والبكوات المماليك بالعدل والقسطاس، وبالقدر الذي يتفق مع صالحه، فيحضر في أكتوبر ١٨٠١ احتفال عقد كريمة إبراهيم بك (السيدة عديلة)، ويحضر ما يُقام من احتفالات لقراءة الفرمانات الواردة من الباب العالي، أو لوصول كسوة الكعبة الشريفة من حضرة السلطان، وقد صادفته أزمة في هذه الأيام الأولى عندما نازعه على نقابة الأشراف، وسلبها منه شخص يُدعى يوسف أفندي، اشتُهر بسوء السمعة والسيرة قبل مجيء الفرنسيين، ارتحل عن البلاد إلى إسلامبول وقت مكثهم بهذه البلاد، ثم صار يتحيل ويتدخل في بعض حواشي الدولة حتى ظفر بتولي نقابة الأشراف ومشيخة المدرسة الحبانية، فحضر إلى مصر في ديسمبر ١٨٠١ بعد جلاء الفرنسيين، وأُهمل أمره أولًا لمعارضة أعيان الأشراف له، غير أن محمد خسرو باشا لم يلبث أن قلده النقابة في ٢ فبراير ١٨٠٢، وبذل عمر مكرم قصارى جهده لاسترجاعها، وآزره في مسعاه يوسف ضيا الصدر الأعظم، الذي هرع عمر مكرم وبعض المتعممين لتوديعه عند مغادرته القاهرة في ١٣ فبراير من العام نفسه، فأعطاهم صررًا وقرءوا له الفاتحة، فلم يمضِ شهران حتى وصل في ١٨ أبريل ١٨٠٢ قاصد من الديار الرومية بمكاتبات وتقرير نقابة الأشراف للسيد عمر وعزل يوسف أفندي. وفي ١٩ أبريل ركب السيد عمر المذكور وتوجَّه إلى عند الباشا فألبسه خِلعة سمور، ثم حضر عند الدفتردار شريف أفندي، فكانت مدة عزله من النقابة شهرين ونصفًا. |
|
قال — رحمه الله: كان والده من أصفهان الكامل علي، وهو حاجب الوزير شمس الملك بن نظام الملك، وكان أبوه أبو منصور فهَادا في عهد السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، وابنه الكامل نجيب، أديب لبيب، وزادت أيامه في السموِّ، وأيامنه في النموِّ، حتى تنافس في استخدامه الملوك والوزراء، واستضاءت برأيه في الحوادث الآراء. وكان قد زوج بنتًا له ببعض أولاد أخوال العم العزيز؛ فاشتمل لذلك العزيز — رحمه الله — على ولده جمال الدين أبي جعفر محمد، وخرَّجه في الأدب، ودرَّجه في الرُّتب، فأول ما رتبه في ديوان العرض السلطاني المحمودي محليًا، فبرز في تلك الحلبة سابقًا ومجليًا، وغلب في تحليته ذكر الأبلج، فنعته الأتراك بالأبلج، واستقام في نجابته على المنهج، واتفق أنه لما تولى زنكي بن آق سنقر الشام تزوج بامرأة الأمير الأسفهسلار كُندُغدي، وولدها خاصبك بن كندغدي من أمراء الدولة وأبناء المملكة، وهو يسير معها، فرتَّبه العزيز جمال الدين لخاصبك وزيرًا، فسارَ في الصُّحبة، وكان مُقبل الوجاهة، مقبول الفُكاهة، شهيَّ الهشاشة، بهيَّ البشاشة، فتوفرت مُنى زنكي على منادمته، وقصُر صباحَه ومساءَه على مساهمته، وعوَّلَ عليه في آخر عمره في إشراف ديوانه، وزاد المال وزان الحال بتمكينه ومكانه، فلم يظهر من جمال الدين في زمان زنكي جُود، ولا عُرف له موجود، فإنه كان يقتنع بأقواته، وتزجية أوقاته، ويرفع جميع ما يحصل له إلى خزانة زنكي استبقاءً لجاهه، واستعلاءً به على أشباهه، فمكَّنه زنكي من أصحاب ديوانه، فمنهم من استضر بإساءته، ومنهم من انتفع بإحسانه. ولمَّا قُتل زنكي صار للدولة الآتابكية ملاذًا، وللبيت الأقسنقري معاذًا، واستوزره الأمير غازي بن زنكي، وآزره علي كوجك على وزارته، وحلف له على مظاهرته ومضافرته، فأجرى بحر السماح، ونادى حيَّ على الفلاح، فصاحت بأفضاله ألفاظ الفصاح، وأتَوا إليه من كل فجٍّ عميق، وقُصد من كل بلدٍ سحيق، وقصده العظماء، ومدحه الشعراء، وممَّن وفد إليه ومدحه: أبو الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي، المعروف بحيص بيص. قال: وأنشدني لنفسه من قصيدةٍ أولها: |
|
هو ابن أنطيوكس إبيفان، رقي بعد وفاة أبيه إلى منصة الملك، ولقِّب أوباتر أي: الشريف أبًا، وكان أبوه لدى احتضاره نصَّب فيلبوس أحد قادة جيشه مدبرًا للملك، ووصيًّا على ابنه الملك الصغير، فعدل ليسياس عن مشاحنة اليهود إلى تمكين منصبه في تدبير الملك، ووقاية الملك الصغير من منازعة ديمتريوس ابن عمه له فيه، فأمن اليهود وأباحهم مباشرة فروض دينهم وشريعتهم، وأرسل إليهم رسالة من الملك بذلك، وبقيت بقلبه حزازات من يهوذا المكابي لكسره جنوده، وإلحاق العار به فاستراح اليهود، ويظهر أن ضرْب يهوذا العشائرَ المارَ ذكرُها كان بهذه الفرصة … وكان فيها أيضًا ما جاء ذكره في الفصل الثاني عشر من سفر المكابيين الثاني، ومن ذلك أن أهل يافا دعوا اليهود مواطنيهم أن يركبوا هم ونساؤهم وأولادهم سفنًا أعدوها لهم، ووثق اليهود بهم إذ لم تكن عداوة بين الفريقين، ولما أمعنوا في البحر أغرقوهم، فسار يهوذا المكابي ليلًا إلى يافا فضربها وفر كثيرون من أهلها إلى السفن فأحرقها وهم فيها، وكذلك فعل بأهل يمنا (يبنة الآن بين يافا وأشدود)، وسار يهوذا ينوي الإيقاع بتيموتاوس عامل الملك؛ لأنه كان علةً لهذه الشرور، فضربه في عبر الأردن، وأهلك من جيشه خلقًا كثيرًا وافتتح عدة مدن في عبر الأردن. |
|
وفي اليوم التالي لفشل المفاوضات تهيأ أبرهة لدخول مكة وهيأ فيله وعبَّأ جيشه وبينه وبينها مسيرة ثلاثة أيام. ونحن نؤمن بحديث الفيل؛ لأن القرآن جاء مؤيدًا للتاريخ، قال الله — سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ١ (سورة الفيل). |
|
ومحال علينا أن نقول هذا الذي قدمناه دون أن نذكر ذلك الرَّجل المعجزة: سقراط؛ فلقد كان سقراط على ظن من نفسه بأنه قليل العلم بأشياء كثيرة مما يراه ويسمعه، وكان لكل شيء من تلك الأشياء المجهولة له، من هو مختص فيه، ويتوهم — ويوهم النَّاس — بأنه محيط به علمًا، فمثلًا، هنالك شيء اسمه «الفن»، وهنالك من النَّاس من هو مشتغل بالفن، فيقصد — بداهة — ويتصور النَّاس معه، أنه لا بد أن يكون على علم واسع عميق، بحقيقة «الفن» ما هي؟ فيقصد إليه سقراط، راجيًا أن يتعلَّم من ذلك المُختص حقيقة ذلك الشَّيء الَّذي اخْتُصَّ فيه، لكنَّه ما يكاد يمضي معه في الحديث خُطوة أو خُطوتين، حتى ينكشف المستور، له ولمن يحاوره معًا، وهو أنَّ الرَّجل الذي حسب أول الأمر أنه على معرفة دقيقة بالفن وطبيعته، إنما هو في الحقيقة لا يعرف عنه شيئًا، أو ما يكاد يكون كذلك، وهكذا أخذ سقراط يدور على ميادين الحياة العملية والنظرية، واحدًا واحدًا، يسأل أصحاب التخصص ماذا يعرفونه عما قد تخصصوا في ممارسته عملًا، أو في الإلمام به فكرًا، فكان في كل مرة لا يعود من محاولته إلا بشيء واحد، وهو أن هؤلاء الأدعياء لم يكونوا يعلمون ما قد ظنوا به علمًا، فكل يجهل ميدان عمله أو فكره، لكنه يجهل أنه يجهله، فقصد الرجل إلى كاهنة عرافة، يعرض عليها الأمر لعلها تهديه إلى ما يُزيل عنه الحيرة، وعندئذ أدرك الفرق بينه وبين هؤلاء الأدعياء، فبينما هو لا يدري، ويعلم أنه لا يدري، فقد كانوا هم يجهلون حقائق الأشياء كما جهلها هو، إلا أنهم يجهلون أنهم جاهلون بما ادعوا به دراية وعلمًا. |
|
وَقَبْلَ أَنْ يُفِيقَ باك مِنْ صَدْمَةِ مَا حَدَثَ لِكيرلي تَلَقَّى صَدْمَةً أُخْرَى. فَقَدْ ثَبَّتَ فرانسوا عَلَى ظَهْرِهِ مَجْمُوعَةً مِنَ الْأَحْزِمَةِ الْمَرْبُوطَةِ بِالْمَشَابِكِ، كَانَ سَرْجًا كَالَّذِي كَانَ يَرَى النَّاسَ يَضَعُونَهُ عَلَى ظُهُورِ الْخُيُولِ فِي بَلْدَتِهِ، وَبِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا الَّتِي كَانَتِ الْخُيُولُ تَعْمَلُ بِهَا، بَدَأَ باك فِي الْعَمَلِ: فَكَانَ يَجُرُّ الْمِزْلَجَةَ الَّتِي يَرْكَبُهَا فرانسوا إِلَى الْغَابَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ أَطْرَافِ الْوَادِي وَيَعُودُ وَمَعَهُمَا حِمْلٌ مِنَ الْأَخْشَابِ الَّتِي تُسْتَخْدَمُ فِي التَّدْفِئَةِ. لَمْ يَرُقْ هَذَا الْعَمَلُ لِباك وَلَكِنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ حِكْمَةً مِنْ أَنْ يَرْفُضَ الْقِيَامَ بِهِ، فَقَدْ أَدَّى مَهَمَّتَهُ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ، وَبَذَل كُلَّ مَا فِي وُسْعِهِ مَعَ أَنَّ كُلَّ هَذَا كَانَ جَدِيدًا عَلَيْهِ. كَانَ فرانسوا صَارِمًا مَعَ الْكِلَابِ وَكَانَ سبيتز هُوَ قَائِدُهَا، فَقَدْ كَانَ هُوَ وَديف أَكْثَرَ الْكِلَابِ خِبْرَةً، وَكَانَا يُعَلِّمَانِ باك بِالنُّبَاحِ فِي وَجْهِهِ وَعَضِّهِ عِنْدَمَا يُخْطِئُ، وَقَدْ تَعَلَّمَ باك مِنْهُمَا وَمِنْ فرانسوا بِسُرْعَةٍ. فَقَبْلَ عَوْدَتِهِمْ إِلَى الْمُعَسْكَرِ كَانَ باك قَدْ تَعَلَّمَ الْوُقُوفَ حِينَمَا يَسْمَعُ كَلِمَةَ «قِفْ» وَيَمْشِي حِينَمَا يَسْمَعُ كَلِمَةَ «انْطَلِقْ»، وَأَنْ يَنْعَطِفَ عِنْدَ الْمَلَفَّاتِ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الْكِلَابِ الْأُخْرَى عِنْدَمَا تَنْحَدِرُ المِزْلَجَةُ الْمُحَمَّلَةُ مِنْ خَلْفِهِمْ أَسْفَلَ التَّلِّ. |
|
وهنا يقول لنا الدكتور أحمد الشريف: «والدليل على أن الجاهليين كانوا يتطلعون إلى نظام جديد، أنهم كانوا — حسب تفكيرهم — يتحدثون عن علامات ونُذُر تُنبِئ عن قرب ظهور نبي منهم؛ وقد روى القدماء معجزات ونُذرًا قالوا إنها وقعت قبل ظهور الإسلام؛ إرهاصًا به ومنبئةً بقرب ظهوره، وتلك الروايات — إنْ صحَّتْ — كانت دليلًا على أن الجاهليين تطلَّعوا إلى الإصلاح، وإلى ظهور مُصلِح من بينهم، «وكان الإصلاح قديمًا لا يأتي إلا على أيدي الحكماء والأنبياء»، وهذا التطلُّع الطبيعي في كل جماعةٍ إحساسٌ ضروري يسبق كل حركة إصلاحية ويمهِّد لها … وكانت البيئة مستعدة لقبول النظام الجديد؛ لأنها بيئة لها وَحْدتها المتميزة، من الناحية اللغوية، ومن ناحية الجنس … وكان من المتوقَّع لو لم يظهر الإسلام أن يدخل العرب في أحد الدينَيْن، لولا أنهم بدءوا نهضةً قومية … لذلك يريدون ديانة خاصة يعتبرونها «رمزًا لقوميتهم … ديانة تعبِّر عن رُوح العروبة» وتكون عنوانًا لها؛ لذلك بحث عقلاؤهم عن الحنيفية؛ دينِ إبراهيم الذي كانوا يَعُدُّونه أبًا لهم … وقد ظهرت حركة التحنُّف قبل الإسلام مباشَرةً، وكانت رمزًا إلى أن الروح العربي كان يتلمَّس يومئذٍ دينًا آخَر غير الوثنية. والإسلام حين جاء … كان دليلًا على «نضوج ديني فلسفي، استعدَّ له العرب في القرون المتطاولة السابقة» … وكذلك كانوا يحسُّون بأن عدم وجود دولة تجمعهم أمرٌ فيه ذِلَّة وعار … في هذه الظروف المواتية من الناحية الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ ظهرت النهضة العربية، وكانت دينية، والدين كان عاملًا من عوامل التطوير والتقدم في العصور القديمة، ولم يتنازل الدين بعض الشيء عن هذه الناحية، إلا بانتشار العلوم، «ووجود العوامل التي تنافسه في القيام بهذا الدور في العصر الحديث».»٣٠ |
|
* علمًا تجريديًّا، يعتمد على تصنيف الظواهر، محل انشغاله، مع العلو بها عن كلِّ ما هو غير مؤثر في الظاهرة محل البحث؛ فهو يستبعد الثانوي، ويجمع المتشابه، ويستخلص المشترك، ويستنتج الأصول الواحدة، دون انشغال بالتفاصيل التي تعوق الفهم الناقد للظاهرة الاجتماعية موضوع بحثه.
* دارسًا للظاهرة الاجتماعية محل انشغاله بمعزل عن الدين الذي أمسى مرفوضًا وجوده الاجتماعي، ليس ابتداءً من تفنيدٍ علمي للدين الوضعي المسيحي،٢٦ وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى نفس النتيجة، إنما رفضًا للمسيحية نفسها ابتداءً من إدانة تسلُّط رجال الدين، وكلاء الرب، وتحررًا من قهر الكنيسة التي احتكرت الحقيقة الاجتماعية، واسترقَّت أرواح الملايين من البشر طيلة ألف سنة.
* منطلقًا من غرب أوروبا لشرح وتفسير الظواهر التي برزت في غرب أوروبا ابتداءً من القرن السابع عشر تقريبًا؛ وبالتالي، متخذًا من غرب أوروبا حقلًا للتحليل على الصعيدَين التاريخي والواقعي معًا، مستبعدًا دراسة تاريخ الظاهرة وواقعها في الأجزاء الأخرى من العالم استبعاده لوجود أي حضارةٍ غير حضارة أوروبا؛ ومن ثَمَّ اعتبر جميع الظواهر محل دراسته من قبيل الظواهر غير المسبوقة تاريخيًّا، وأنها بالتالي ظواهر لم تنشأ إلا في أوروبا ثم انتقلَت من أوروبا إلى العالم بأَسره. وفي مقدمة هذه الظواهر في حقل النشاط الاقتصادي، كما سنرى تفصيلًا، بيع قوة العمل والإنتاج من أجل السوق. |
|
والفهرس الذي وضعه «كاليماكوس» هذا كان قد نظم من حيث الموضوعات في ثمانية أقسام كما يأتي: كتاب الروايات والملاحم والشعر الغنائي، (كل هذه معًا) ثم المؤرخون والشعراء والبلغاء والخطباء والفلاسفة، وأخيرًا كُتاب المنوعات، وهذا ما يقابِل في الواقع على وجه التقريب موضوعات الفهرس في المكتبات الحديثة. (٣) وثالث أمين للمكتبة هو الجغرافي القدير ذائع الصيت «أراتوستينيس» وكان يشغل هذه الوظيفة في السنين العشرة الأخيرة من القرن الثالث قبل الميلاد. (٤) وخَلَفَه في وظيفته هذه «أريستوفانيس» البيزنطي الذي مات في عام ١٨٥ق.م، وكانت له شهرة بين العلماء بوصفه ناشر المتون الممتازة للشعر الكلاسيكي ولكتابات مؤلفين آخرين من الذين سبقوا أفلاطون. (٥) وكان خامس أمناء مكتبة الإسكندرية هو «أبولونيوس» وهو كاتب غير معروف كثيرًا من حيث التصوير الأدبي وكان يُدعى في الإغريقية «كاتب الأسوب». (٦) وآخر عَلَم من بين هؤلاء الأمناء هو«أريستاركوس» Aristarchus مواطن «ساموتراس» وقد قام بنشر كتب للمؤلفين الإغريق المبكرين من أول عهد «هومر» حتى عهد «بندر». (٧) ولدينا أمين آخر لمكتبة الإسكندرية يُدعَى «سيداس» وهو أحد رجال الحرس الملكي،٢٠ والظاهر أن تعيين الأخير أمينًا للمكتبة كان تعيينًا سياسيًّا عمله «بطليموس فيسكون»، ويتضح من الأسماء التي وردت في هذه القائمة أن معظم الذين تولوا وظيفة أمين مكتبة الإسكندرية كانوا مربين لأولاد ملوك البطالمة الذي عينوهم في زمانهم، وعلى ذلك يمكن القول بوجه عام أن الأمين الأول لمكتبة الإسكندرية كان دائمًا مربيًا للأسرة المالكة. |
|
هنا لن نجد سوى رجال الحديث الأزاهرة الذين ألبسوا أنفسهم القداسة، وهنا الأمر الوحيد الذي يسمح لهم دون الناس بفهم هذا التصنيف النسبي، وعلينا أن نسلم لهم لتطبيق تلك النسب في حياتنا، لتحكيم تشريعات السُّنة لأنهم الأدرى بها والأقدر على فرزها، وهي ميزة لا يستطيع أحد ادعاءها، لكنهم يدَّعونها، فعندما تستشهد بحديث لا يلتقي مع هوى مصالحهم ورؤاهم، يقولون لك هذا حديثٌ ضعيف أو هذا من الإسرائيليات، لكن ليس عندهم أي مانع في مناسباتٍ أخرى أن يستشهدوا بذات الحديث عندما يكون في خدمة الهوى، إنهم يفعلون ذلك بادعاء الدراية التخصصية لديهم وجهل الآخرين بها، يفعلونه دون أن يطرف لهم رمش، مع إصرارهم على ترديد وتأكيد وترسيخ صحة الحديث المطلقة، مع الإصرار على إعماله في التشريع، وهنا سيكون لهم بدورهم وحدهم حق التطبيق كما لهم حق الفهم والفرز النسبي، إذن المسألة أبدًا ليست مسألة علم ودين وآخرة، لأنه باطل يراد به باطل، فهم مخادعون لأنهم يعلمون علم اليقين أن هذا التدوين الذي يعتمدون عليه قد أسقط أهم الأحاديث، أسقط ما يزيد عن خمسمائة خطبة للنبي في المسلمين، بل ويعلمون يقينًا أن ذلك لم يكن إهمالًا غير مقصود أو ضياعًا بالصدفة، أو استبعادًا بالاستخارة كما فعل البخاري، بل كان لأغراضٍ سياسيةٍ بحتة، حيث كانت هذه الخطب النبوية المشرفة تتناقض وتتعارض بالكلية مع أنظمة الحكم في الدولة الإسلامية زمن التدوين، والدنيا مصالح ومناصب يحسن الحرص عليها بعدم إغضاب ولاة الأمر منا، كما أن الله قال: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وحجتهم في صحة الحديث تتأسس على هذه الآية الآمرة بطاعة الرسول وهو ما يعني أنه كان لا ينطق عن الهوى بل كان وحيًا يوحى، لكنهم في الوقت ذاته، وبانتهازيةٍ فاضحة فضلوا طاعة أولي الأمر منهم؛ فأسقطوا أهم مأثور بين كل ما دُوِّن من أحاديث؛ خطب النبي في المسلمين. |
|
ويتبيَّن من ذلك أن:
* (١)
العمالة الزراعية عالية في الأقاليم الاستوائي والشرقي وكيفو، ويؤكِّد هذه الحقيقة أن الذين يعملون بالزراعة في هذه الأقاليم على التوالي: ٥٠٪ و٣٩٪ و٣٨٪ من مجموع القوة العاملة بكل إقليم، ويرجع ارتفاع مساهمة الزراعة إلى أن هذه هي الأقاليم الاستوائية الحقة من الكنغو، بحيث إن نسبة كبيرة من الأرض عبارة عن أرض تقليدية تسودها الحياة التقليدية الاقتصادية (الزراعة والصيد). أما نسبة العاملين بالزراعة إلى مجموع القوة العاملة في الأقاليم الأخرى فهي: ٩٪ في كاتنجا، و١٢٪ في كلٍّ من كينشاسا وكساي.
* (٢)
ترتفع نسبة العمالة في التعدين في القسم الشرقي من الدولة (كاتنجا وكساي، وكيفو والشرقي)، بينما ينعدم التعدين في القسم الغربي من الدولة.
* (٣)
تكاد تقتصر العمالة في الصناعة على أقاليم كينشاسا وكاتنجا والشرقي، حيث توجد المدن الكبرى، وما يؤدي إليه ذلك من احتياجٍ للصناعات، وخاصةً الغذائية. كذلك توجد في كاتنجا بعض الصناعات الخاصة بتحويل الخامات المعدنية إلى معادن.
* (٤)
ونتيجة للأسباب التي أوضحناها في توزيع الصناعة، نجد أيضًا أن توزيع حِرَف التجارة والنقل والأعمال المكتبية (إدارات الحكومة والشركات) والبناء يتركز في إقليم كينشاسا وكاتنجا والشرقي. |
|
#### ١٢
أما بعد فقد كان من ضروب التشابه في الحظوظ أن يزور كثيِّر مصر كما زارها جميل، مع الاختلاف في غرض الزيارة عند الشاعرين، فقد زار جميل مصر ليستعين عبد العزيز بن مروان على محنته في هوى بثينة، وكانت المصاعب تثور في وجهه من كل جانب، فوعده عبد العزيز بالحماية، ومنحه بيتًا يقيم فيه، ولكنه لم يُقِمْ إلَّا قليلًا حتى مات.
أما كثيِّر فزار مصر لينتفع بصلات عبد العزيز بن مروان وقد أطال فيه المديح.
والقصة التي فرضت أن يموت جميل بمصر وهو يهتف باسم بثينة أرادت أن تنقل كثيِّرًا من مصر إلى المدينة شوقًا إلى عزة، ولم تكتفِ بذلك بل جعلت كثيرًا يصادف عزة وهي قادمة إلى مصر لتمتع النظر بقوامه القصير النحيف! وتقول القصة إنهما تعاتبا في الطريق ثم افترقا متغاضبَيْن، هو إلى المدينة وهي إلى مصر، ثم عزَّ عليه أن يفارق بلدًا فيه هواه فرجع إلى مصر ولكنه لسوء البخت وجد الناس ينصرفون من جنازة عزة، فأتى قبرها وأناخ راحلته عنده ومكث ساعة ثم رحل وهو ينشد:
أقول ونِضوي واقف عند قبرها
عليك سلام اللهِ والعينُ تسفح
وقد كنت أبكي من فراقك حيَّةً
فأنت لعمري اليوم أنأى وأنزح
وكذلك ظفر ثرى مصر برُفاتين عزيزين: رفات عزة ورفات جميل.
والعشق نفسه قصة، فكيف تَسلم أخباره من زخرف الخيال؟!
فإن سأل القارئ: ومتى مات كثيِّر وأين مات؟ فإنا نجيب بأنه مات سنة خمس ومئة بالمدينة، وقد شاءت الرواية أن يموت مع عكرمة في يوم واحد ويُصَلَّى عليهما في موضع واحد ليقول المشيعون: مات أفقه الناس وأشعر الناس! |
|
روميو وجولييت عدُوَّان ليس بسبب أنَّ عاطفتهما غيرُ مُتبادَلة؛ فهي مُتبادَلة على نحوٍ رائع، ولكن بسبب قوًى خارجة عن العاشقَين نفسَيهما. ولأنَّ حُبَّهما يهدف إلى الزواج، فإنَّ العلاقة الغرامية بينهما هي علاقةٌ اجتماعية في جوهرها؛ أي إنها ليست مُنفصِلة عن القوى الاجتماعية وإنما مُنغمِسة فيها انغماسًا عميقًا. هذا البعد الاجتماعي يُناسب الدراما من ناحية كونها بطبيعتها نوعًا أدبيًّا أكثر اجتماعيةً من سلسلةٍ من السونيتات العاطفية، وهو ما يُميِّز عاشقَي شكسبير بنحوٍ قاطع عن بتراركا ولورا. وهكذا ففي حين أنَّ التعليلات الأدبية الخاصة بالقدَر هي السبب الرئيسي لموت العاشقَين، فإن، وبطابعٍ أكثرَ محلية، تَفشِّي وباء الطاعون — وهو خطرٌ حقيقي وقائم لجمهور شكسبير — يمنع روميو من استلام الرسالة المُرسلَة إليه في مَنفاه في مانتوفا؛ ولذا، لا يعرِف أنَّ موت جولييت الظاهري عَشِيَّة زواجها القسري من باريس ليس سوى نتيجة الشراب الذي وصفَهُ لها القسُّ لورانس. بيْد أنَّ العداوة غير المفهومة بين عائلتَي مونتاجيو وكابيوليت هي، أكثر من أي شيء، التي تحكُم بالفشل على علاقتهما، تمامًا مثلما تُفسِد المشهد الحضري لفيرونا. الغريب في الأمر أنَّ هاتَين العائلتَين ليستا مُتنازعتَين جَرَّاء اختلافاتهما عن بعضهما وإنما جرَّاءَ أَوجُه الشَّبَه فيما بينهما. إنهما، كما تُعلِن المسرحية في السطر الأول، «عائلتان «مُتماثلتان» في كرَم المَحتِد» (الفصل الأول، الاستهلال، السطر الأول، أقواس التنصيص الداخلية من عندي). هذه كراهيةٌ غير منطقية وقديمة، لم يُكشَف أبدًا عن سببها، وهي تضع روميو وجولييت، رغم الحبِّ الذي يجمعهما، في موضع العدوَّين مِثلما تضعهما راسخَين داخل البنية الاجتماعية لفيرونا، وليس خارجها. |
|
الرومانسية/الرمزية | ما بعد الطبيعة/الدادئية
الشكل (متصل ومغلق) | اللاشكل (متقطع ومفتوح)
قصد | لعب
تخطيط | مصادفة
تراتبية | فوضى
قوة/لوغوس | ضعف/صمت
موضوع الفن/عمل منتهٍ | عملية/أداء/حدث
مسافة | مشاركة
إبداع/شمولية | هدم/تفكيك
تركيب | تفكك
حضور | غياب
تمركز | تشتت
نوع/حدود | نص/تداخل النُّصوص
نموذج معياري | سياق
ترتيب بواسطة روابط | ترتيب بدون روابط
استعارة | كناية
انتقاء | مزج
جذر/عمق | جذمور/سطح
تفسير/قراءة | ضد التفسير/قراءة محرفة
مدلول | دال
المقروء | المكتوب
السرد | ضد السرد
الآب الرب | الروح القدس
سمة | رغبة
تناسلي/ذكوري | متعدد الأشكال/مخنَّث
جنون العظمة | الفصام
الأصل/السبب | الاختلاف/الأثر
ميتافيزيقا | سخرية
حتمية | لا حتمية
محايثة | مفارقة |
|
قد يكون هناك مسار بنَّاء آخَر بالنسبة إلى سويسرا، ينطلق من الفكرة التي تقول إن القطاع المصرفي هو واحد من «المصادر الطبيعية» السويسرية القليلة والنفيسة. كما يمكن القول إنه بمكانةٍ مماثلة للنفط في دولٍ أخرى. وعلى أي حال، إن القطاع المصرفي — على عكس القطاعات الصناعية السويسرية الأخرى، ربما باستثناءِ قطاعِ السياحة — هو قطاع يزدهر بفضل كونه «سويسريًّا».١٩ فلولا حُسْن أداء البنك الوطني السويسري، وقرونٌ من الحياد السياسي، وإخفاقاتُ حكوماتٍ أجنبية، وإنجازاتُ أناسٍ عملوا بجدٍّ مقابل أجورٍ متواضعة مثل إيشر وشيفر وهولزاخ ولويتفيلر؛ لَما كان لهذا القطاع أن يحظى بالأرباح التي ينعم بها اليوم. ولربما على سويسرا أن تستلهم من تجربة النرويج؛ حيث إن صندوق الحكومة النرويجية للتقاعد — وهو أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم — يقوم باستثمار عائدات النفط والغاز وادخارها تحسُّبًا للفترة التي ستبدأ فيها هذه الموارد في النفاد. وبإمكان السويسريين إنشاء صندوقٍ مماثل، وفرض ضريبة «مورد طبيعي» خاصةً على أرباح البنوك، واستخدام هذه العائدات لإنشاء احتياطي تحسُّبًا للأوقات العسيرة، أو بإمكانهم إيجاد وسائلَ أخرى لادِّخار «القرش الأبيض للأيام السوداء» لمواجهة الفترات الشحيحة، تمامًا كما فعل عددٌ لا يُحصى من عملاء المصارف السويسرية الذين جذبتهم البلاد وقطاعها المصرفي. |
|
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ |
|
لقد أوضحت لحضراتكم باختصار المجهودات النبيلة التي قامت بها المرأة في معظم بلاد العالم خدمة السلام والإنسانية، وكيف أبدع بعض الكُتَّاب في تصوير شعورها بالواجب الإنساني وقوة إرادتها وصبرها على المكاره وعدم انقيادها لثورة الغضب، وإني لأعتقد بأن المرأة لو كانت تملك حق التشريع وقوة التنفيذ في كل البلاد لحالت دون وقوع الحرب العظمى بما وُهِبَتْ من مرونة في المعاملة، وتروٍّ وتقدير للعواقب أكثر من الرجل، ولما وُضِعَتْ شروط الصلح التي أمْلَتْها أنانيةُ الظافرين على الأساس الواهي الذي انهار أمام القوة، ولما ضاعت مجهودات ولسن وأموال كارنيجي سُدًى في السعي وراء السلام، ولما أخفق ميثاق بريان كيلوج، ولما انتاب الضعف عصبة الأمم. وأظن أنكم لاحظتم أنَّ الفضل الأول في نشر فكرة السلام يرجع إلى السعي المتواصل والتشجيع الأدبي والمادي الذي بذله عظماء الولايات المتحدة وعظيماته أمثال الرئيس ولسن، والمستر كارنيجي، ومسز أدمس وغيرهم. وأن معظم الجمعيات الأوروبية التي تعمل لنشر السلام وتوطيد العلاقات الودية بين الأمم تُغَذِّيهَا أمريكا بأموالها وأفكارها، ولو كان للنساء حق إملاء إرادتهن على حكوماتهن لما انتُهِكَت حرمة المعاهدات والوثائق، ولما أُرِيقَت الدماء البريئة في الصين وفي الحبشة، ولما اشتعلت نار الفتنة الأهلية التي أثارتها المطامع السياسية في إسبانيا، فدمرت وخربت وأعادت مأساة قابيل وهابيل، ولما حدث ما أثار كره إيطاليا وألمانيا لليهود، ولما أصبح الصهيونيون بلا مأوًى، ولما جرأت إنجلترا على محاربة مداواة الظلم بظلم أفظع منه كما تفعل في فلسطين، ولما اتخذت جيوشها من الأراضي المقدسة مهد التآخي والوئام ساحة قتال وتخريب؛ تهرق فيها الدماء بلا سبب، وتزهق الأرواح بلا جريمة، وترتفع فيها أنَّات الثكالى واليتامى والأرامل طالبةً من الله العدل والقصاص. |
|
وأخيرًا رجع ماركوز إلى ما بدأ به حياته من تأمُّلٍ لدور الفنِّ في العالم الحديث، وجدَّد رأيه القديم — الذي عبَّرَ عنه في رسالته المُشَار إليها من قبل — في أن الفنَّ في مجتمعٍ تُمزِّقه الصراعات لا بدَّ أن يَستَغِلَّ أقصى درجات التعبير الرَّمزي وأشكاله اللامعقولة لمقاومة «الأيديولوجية» السائدة، واختراق الحصار الذي تضربه حول الوعي والوجود المغترب، وتصوير مجتمع إنساني حرٍّ وحقيقيٍّ بديلٍ عنه. وقد ردَّدَ هذا الرأي في كتابه الأخير (دوام الفن: ضدَّ علم جمالٍ ماركسيٍّ محدَّدٍ، ميونيخ ١٩٧٧م، الذي صَدَرَ بالإنجليزية في بوسطن سنة ١٩٧٨م تحت عنوان البُعد الجمالي، نحو نَقْد الاستطيقا الماركسية)، وأكد فيه أن أقصَى أشكال التعبير الفنِّي تجريدًا هي وحدها الأقدر على تقديم رؤية للحياة تَستَغِلُّ إمكانيات التقدُّم التي حقَّقَها العقل الصناعي أو التِّقَنِي في المجتمع ذي البُعد الواحد لتحرير الإنسان من عبوديَّته المُقنَّعة ووعيه المُزَيَّف في ظلِّ لا عقلانيته. |
|
نقل ليفي بروفنسال في كتابه إسبانيا الإسلامية في القرن العاشر E. Lévi Provençal: L’Espagne musulmane au Xème siècle عن مصادر عربية، أنَّ الكاتب في الدولة الأموية كانت رتبته تعادل رتبة الوزارة، وأنه كان يُطلق على الوزير لقب الكاتب تخفيفًا، وأنَّ كاتب الذمم كثيرًا ما كان على رواية ابن سعيد نصرانيًا أو يهوديًّا — سواء في ذلك الأندلس وشمالي إفريقية — وكانت الأعمال تُوسد في الأندلس إلى العرب والبربر والإسبانيين المولدين، والوظائف مما يتقلده النصارى واليهود. ووصل المولدون مع الزمن وهم من أصول غير عربية إلى أن تولوا الأعمال العامة إلا قليلًا. وقال: إنَّ أولاد الخلفاء من الأمويين وذوي قرباهم قلما كانوا يتولون أعمالًا للدولة، وقلما يظهرون إلا في أيام البيعة لملك جديد، وأنَّ المناصب العالية قد يطمع فيها من العمال من يؤدي للخليفة مالًا مما جناه أو جناه أهله، وأنَّ النصارى واليهود كانوا في العهد الأموي هناك يتصرفون للدولة في الأعمال الإدارية والحربية، ومن اليهود من كانوا ينوبون عن الخليفة بالسفارات إلى دول أوروبا الغربية. وقال: إنَّ الجيش الأندلسي كان بعد عهد الأمويين يُنظم على مثال الجيش العباسي من حيث ترتيبه وطبقاته، وزعم أنَّ جميع طبقات المجتمع الإسلامي كانت تتعاطى الخمر كالنصارى واليهود، وأنَّ شاربي الخمر ما كانوا يُعاقبون بشدة كما يقضي به الشرع، وأنَّ الخمر ما كان يُشرب في كل ناحية علنًا. |
|
وقد كانت أمثال مقالات «إبور» و«نفرروهو» شائعة الانتشار — كما سبق ذكره — حوالي سنة ٢٠٠٠ قبل الميلاد، ولدينا ما يدل بوجه قاطع على أن هذه الكتابات قد وجدت مجالًا مبكرًا لانتشارها في آسيا الغربية؛ وبخاصة بين الفينيقيين الذين أثروا في العبرانيين تأثيرًا عظيمًا لقربهم الشديد منهم كما تقول التوراة نفسها. وقد حدث منذ عشرة أعوام أن سقطت صخرة من واجهة الجبل المشرف على البحر الأبيض المتوسط في «ببلوص» (جبيل) القديمة الواقعة على الساحل الفينيقي شمالي بيروت، فكشفت عن حجرة للدفن منحوتة في الصخر لأحد ملوك ذلك العصر الذي كان يعيش فيه أولئك الحكماء١٨ الاجتماعيون المصريون القدماء الذين كنا بصدد ذكرهم. وهذا الكشف مضافًا إلى أعمال الحفر التي عملت في جبانة «جبيل» الملكية التي أعقبت ذلك، قد أماط لنا اللثام عن سلسلة من المقابر التي استعملت لدفن ملوك «جبيل» الفينيقيين، وهذه المقابر مصرية في طرازها وبنائها ومحتوياتها؛ لأنها تشتمل على توابيت حجرية ضخمة من الطراز المصري القديم وُضعت فيها الجثث الملكية وجهزت بأوانٍ وحلي غاية في البهاء، وجميعها ما بين مصنوع في مصر ويحمل أسماء فراعنة من الأسرة الثانية عشرة المصرية، أو مصنوع في فينيقية على الطريقة المصرية القديمة. وهذه المقابر تدل بدون شك على انتشار العادات الجنازية والدينية المصرية في فينيقية في ذلك العصر. على أن وجود مثل هذه العادات المستقاة من وادي النيل لا يكاد يدع لدينا أي شك في أن لفائف البردي التي كتبها الحكماء١٩ الاجتماعيون المصريون القدماء كانت كذلك معروفة في فينيقية في ذلك الوقت. هذا إلى أنه قد كُشف عن عدد عظيم من المقابر في منحدرات تل بلدة «مجدُّو» عثر فيها على مقدار كبير من الجعلان «الجعارين» المصرية وغيرها من الرموز المقدسة التي يرجع عهدها إلى أيام حكماء الاجتماع المصريين القدماء. |
|
#### (١) طلحة بن عبيد الله بن عثمان التميمي (٢٨ق.ﻫ.–٣٦ﻫ)
وهو الصحابي الجليل الشجاع، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بعده، وهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، شهد بدرًا وأُحُدًا، وثبت مع رسول الله يوم أُحُد وبايع الرسول على الموت، فأُصيب بأربعة وعشرين جرحًا وسلم، ثم شهد الخندق وسائر المشاهد.
وكان غنيًّا سخيًّا، يُضرب المثل بجوده فيُقال: «أجود من طلحة.» وإذا قيل: «طلحة الجواد» أو «طلحة الفيَّاض» لم يُقصَد غيره، لم يكن يدع أحدًا من بني تميم إلا أغناه، وكانت له تجارةٌ وافرة مع العراق والشام واليمن، وكان من خطباء الصحابة، إلا أنه كان حربًا لعلي عليه السلام، خرج مع عائشة يوم الجمل، وقُتل وهو بجانب السيدة عائشة، والمشهور أن مروان بن الحكم هو الذي قتله، رماه بسهم، وقال: أطلب بثأري بعد ذلك اليوم؛ فقد زعموا أن طلحة كان ممن حاصر عثمان واشتدَّ عليه، فلذلك قتله مروان وقال ذلك القول، وكان قتله يوم الخميس لعشرٍ خلون من جُمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وكان له ستون سنة.١ |
|
#### ٣
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكُنْتُ شَدِيدَ الْجُوعِ وَبِي حَاجَةٌ عَظِيمَةٌ إِلَى الطَّعَامِ، فَطَنَخْتُ لِنَفْسِي قِدْرًا لَمْ أَدْرِ أَنِّي أَكَلْتُ أَلَذَّ مِنْهَا فِي حَيَاتِي، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ مِنَ الطَّعَامِ، قَالَ لِيَ الْعَبْدُ: هَلْ لَكَ يَا مَوْلَايَ فِي شَرَابٍ يُزِيلُ الْهَمَّ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ، فَإِنِّي أَرْغَبُ فِي مُؤَانَسَتِكَ.
فَمَضَى وَجَاءَنِي بِشَرَابٍ مُعَطَّرٍ، ثُمَّ قَدَّمَ لِي بَعْضَ الْفَاكِهَةِ، وَقَالَ لِي: أَتَأْذَنُ لِي يَا مَوْلَايَ بِالْجُلُوسِ بِجَانِبِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: اِجْلِسْ، ثُمَّ فَتَحَ خِزَانَةً، وَأَحْضَرَ مِنْهَا عُودًا، وَقَالَ لِي: لَا أَجْسُرُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْكَ الْغِنَاءَ، فَهَلْ تَسْمَحُ لِي يَا مَوْلَايَ أَنْ أُغَنِّي؟ فَقُلْتُ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنِّي أُحْسِنُ الْغِنَاءَ؟
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَوْلَايَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى، أَلَسْتَ أَنْتَ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ خَلِيفَتَنَا بِالْأَمْسِ، وَالَّذِي جَعَلَ الْمَأْمُونُ لِمَنْ دَلَّهُ عَلَيهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ؟! |
|
تشير الإحصاءات التي تظهر في الشكل ٤-١ إلى الأمر نفسه. لماذا تعتبر دولة بيرو فقيرة نسبيًّا؟ في عام ١٩٩٠، بلغ رأس المال لكل عامل في بيرو ٨٧٩٦ دولارًا أمريكيًّا، فيما بلغت إنتاجية كل عامل ٦٨٤٧ دولارًا. تتطابق هذه الأرقام تقريبًا مع مثيلاتها في ألمانيا في عام ١٩١٣؛ إذ بلغت ٨٧٦٩ دولارًا أمريكيًّا، و٦٤٢٥ دولارًا أمريكيًّا على التوالي. يرجع بنا رأس المال الأقل اليوم إلى الوراء زمنيًّا. في عام ١٩٩٠، على سبيل المثال، بلغ رأس المال لكل عامل في زيمبابوي ٣٨٢٣ دولارًا أمريكيًّا، فيما بلغت الإنتاجية لكل عامل ٢٥٣٧ دولارًا أمريكيًّا سنويًّا. ليست هذه نتيجة سيئة في عام ١٨٢٠. بلغ رأس المال لكل عامل في مالاوي ٤٢٨ دولارًا أمريكيًّا، وإجمالي الناتج المحلي لكل عامل ١٢١٧ دولارًا أمريكيًّا؛ أيْ ما يماثل القيم نفسها التي بلغتها الهند أوائل القرن التاسع عشر، وأقل بنسبة كبيرة من المستويات التي حقَّقتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية خلال الفترة نفسها. حتى في عام ١٩٩٠، زاد رأس المال لكل عامل في الهند ليصل إلى ١٩٤٦ دولارًا أمريكيًّا فقط، وقيمة الإنتاجية لكل عامل إلى ٣٢٣٥ دولارًا أمريكيًّا، وهو ما وضع الهند على قدم المساواة مع بريطانيا في عام ١٨٢٠. |
|
على الرغم من أن الجن يهزءون من بيلبو والأقزام، فإن منزل إلروند يوفِّر لهم الراحة والاستجمام اللذين هم في أشد الحاجة إليهما. يعثر المغامرون بين غنيمة العمالقة على سَيْفَين، ويتمكَّن إلروند من قراءة اللغة الأيسلندية القديمة المكتوبة عليهما ويخبرهم قائلًا: «إنهما سيفان قديمان، قديمان للغاية، كانا مِلْكًا لجِنِّ الغرب الساميين، قومي. وقد صُنِعَا في جوندولين من أجل حروب الجوبلن.»17 كان أحدهما يُسمَّى أوركريست ويُعرَف بجزار الجوبلن، والآخَر يُسمَّى جلامدرينج ويُعرَف بقاهر المطارق. يساعد إلروند المغامرين أيضًا في قراءة الحروف القمرية على خريطتهم، موفِّرًا لهم دليلًا أساسيًّا للمدخل السري إلى الجبل الوحيد وعرين سموج. وعلى الرغم من أن الحروف القمرية من ابتكارات الأقزام والكتابات الأيسلندية تدور حول الأحداث القزمية، فقد تطلَّبَ الأمر الاستعانةَ بالجني إلروند لاكتشافها وقراءتها. |
|
فإحدى القصائد مثلًا تتكلم عن مدينة صيفية (تسميها مدينة الصدفة) يسقط عليها نورٌ حريري يجلي خطوطها فتصبح «نشوى من الهندسة». وتتمكن منها «لذَّات الدقة والتحدد» فتصير «مدينة الماهية».٣٧ وتتحول المناظر الطبيعية إلى خطوطٍ شفافة لا مادية في نسيج من التوتر، ويصبح الثلج والبرد كلمتَين ترمزان إلى المطلق الذي يتلاشى منه الموت المحتوم على كل حياة، لا بل يتلاشى فيه كل أثر للحياة، (وإن كان يبدو من بعض القصائد أن الشاعر يمجد الحياة الشاملة فيما يشبه وحدة الوجود). وتتجرد المرئيات شيئًا فشيئًا من صفاتها الحسية. وينشأ نوع من الفراغ، تغلب عليه الصور والظواهر الساكنة (كالدوائر والخطوط والأحجام) أو رموز لمثل هذه الصور والظواهر (كالوردة والنهر والبحر) ويتحول شعر جيان كله إلى نموذجٍ مصغر للوجود، متسق البناء غامر النور. ومن الطبيعي ألا يترك للإنسان شيئًا من «إنسانيته» وأن يمضي فيما أسميناه بطرح النزعة البشرية إلى أبعد مدًى ممكن. وحتى الحب لا ينجو من هذا التجريد؛ فشعر الحب، يصبح نوعًا من المعرفة بالوجود، ويتجلى هذا الوجود في أسمى مظاهره للمحب الذي يراه بفكره من خلال جسد الحبيبة لا من خلال روحها. أما هي فلا تدري، كما هي العادة، شيئًا عن هذا، ولا تعلم أنها هي النافذة التي يستشف منها النور. |
|
هكذا يرى فيلسوف الأندلس أنَّ موقف الأشاعرة في هذه المَسألة «خلاف المسموع والمعقول»؛ وذلك لأنَّ الله وصف نفسه بأنَّه القائم بالقسط، وبأنَّه لا يظلم، وهذا إذ يقول (سورة آل عمران: ١٨): شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ، وإذ يقول (سورة فصلت: ٤٦): وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وإذ يقول أيضًا (سورة يونس: ٤٤): إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا. يُريد فيلسوفنا بهذا أنْ يُقَرِّر على ما نعتقده، بأنَّ هذه الآيات — وأمثالها في القرآن — تشهد بأنَّ منَ الأفعال ما هو في نفسه عدل كثواب المطيع، وما هو في نفسه ظلم كتعذيب البريء الذي لم يجترح إثمًا. |
|
وَمَا كَادَ الْجَيْشُ يَتَأَهَّبُ لِلرَّحِيلِ، حَتَّى أَقْبَل عَلَيْنَا الرُّسُلُ يَحْمِلُونَ إِلَيْنَا نَبَأَ وَفَاةِ الْمُغْتَصِبِ، عَلَى أَثَرِ مَرَضٍ لَمْ يُمْهِلْهُ إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِلَ، وَيُعْلِنُونَ إِلَيْنَا صِدْقَ طَاعَتِهِمْ وَخُنُوعِهِمْ، وَتَفَانِيَهُمْ فِي خُضُوعِهِمْ. فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِتَسْرِيحِ الْجَيْشِ، وَرَأَى أَنْ يُنِيبَ وَزِيرِي عَنِّي، فِي إِدَارَةِ شُؤُونِ الْمَمْلَكَةِ بِاسْمِي. |
|
ما كدنا نرى طلائع فرسان المماليك حتى هاجمناهم على رأس فرساننا تعزز المدفعية هجومنا، وكان معنا (ومحمد علي هو المتحدث) ولدنا العزيز إبراهيم بك دفتردار مصر، فحملنا على العدو، وقد أطلقنا العنان لخيولنا حتى اخترقنا صفوفه من أول هجمة عليه، فشتتنا صفوفه وألحقنا به الهزيمة الساحقة، ثم طاردنا بعنف أولئك الذين لجئوا (من العدو) إلى الجبال في هذا المكان، حتى عقبة بني عدي، فبلغ عدد القتلى والأسرى أكثر من ستمائة، بينما طلب النجاة حوالي الألف في الفرار، فانسحبوا إلى منفلوط وأسيوط وأماكن أخرى، وعقب المعركة دخل ثلاثة من بكوات عثمان بك حسن، وآخر من بكوات الجماعة الأخرى إلى منفلوط مستسلمين، ثم طلب الأمان ستة من البكوات وعدد من الكشاف وفرسان المماليك العاديين، وأما إبراهيم بك العجوز وسليم بك الأعور (المحرمجي) وعثمان بك حسن وشاهين بك الألفي — وهم الذين جُبلوا على الهرب والفرار — فقد اتجهوا بعد أن أثخنتهم الجراح صوب إبريم وبلاد السودان، ومعهم فلول جيشهم المحطَّم، فحمدًا لله وشكرًا على نعمائه، الذي أنهى طغيان البكوات وحطمهم تحطيمًا. |
|
من المقولات التي لا يمكن الاعتراض عليها بشأن الأدب الإنجليزي أنه مادة للدراسة في شهادة إتمام الدراسة الثانوية في كلٍّ من المستويات العادية والمتقدمة في المناهج الدراسية المعتمدة حكوميًّا في بريطانيا، وهو أيضًا اسمُ مقرَّرٍ دراسي في العديد من الجامعات في عدد من الدول حول العالم. ومن الإجابات البسيطة نظريًّا، ولكنها قد تكون مفيدة جدًّا، عن السؤال حول ماهية الأدب الإنجليزي أن «الأدب الإنجليزي هو المحتوى المقرر للدراسة في المقررات المدرسية والجامعية الذي يحمل عنوان الأدب الإنجليزي.» فإذا كان العمل موجودًا في أحد المناهج، فإن ذلك يعني صلاحيته كي يكون أدبًا، وإلا فلا. وهي خطوة تنحو بالتعريف عن عملية إنتاج العمل، وأين كُتب العمل ومَنْ كتبه وبأي لغة كُتِب، وإذا ما كان مكتوبًا بأسلوب جيد واهتمام وصوت مميز أم لا، إلى الاستهلاك؛ هل يباع مجهزًا للتدريس؛ أي إنه حافل بالمقدمات النقدية والملاحظات التفسيرية ووصف للموضوعات النصية وقائمة بالمراجع من دراسات العلماء؟ هل يُسوَّق بوصفه أحد كلاسيكيات بنجوين أو كلاسيكيات أكسفورد العالمية؟ هل يستحق التحليل الدقيق في الصف المدرسي والدراسة النقدية في حالة الخضوع للاختبار؟ هل يمكن لدارسي الأدب الإنجليزي في المستويات المتقدمة أن يحصلوا على درجة الدكتوراه بالكتابة عنه؟ |
|
وأما كتخدا بك فإنه لشدة بغضه فيهم صار لا يرحم منهم أحدًا؛ فكان كل من أحضروه ولو فقيرًا هرمًا من مماليك الأمرا الأقدمين يأمر بضرب عنقه، وأرسل أوراقًا إلى كُشاف النواحي والأقاليم بقتل كل من وجدوه بالقرى والبلدان، فوردت الروس في تاني يوم من النواحي فيضعونها بالرميلة، وعلى مصطبة السبيل المواجه لباب زويلة، وكان كثير من الأجناد بالأرياف لتحصيل الفرض التي تعهدوا بدفعها عن فلاحيهم، وانقضت أجلتهم وطولبوا بالدفع، والفلاحون قصرت أيديهم ولم يقبلوا للملتزمين عُذرًا في التأخير، فلم يسعهم إلا الذهاب بأنفسهم لأجل خلاص المطلوب منهم للديوان، فعندما وصلت الأوامر إلى كشاف الأقاليم بقتل الكاينين بالبلاد بادروا بقتل من يمكنهم قتله، ومَنْ بَعُد عنهم أرسلوا لهم العساكر في محلاتهم، فيدهمونهم على حين غفلة ويقتلونهم وينهبون متاعهم، وما جمعوه من المال ويرسلون بروسهم، أو يتحيلون على القبض عليهم وقتلهم، فصار يصل في كل يوم العدد من الروس من قبلي وبحري، ويضعونها على باب زويلة وباب القلعة، ولم يقبلوا شفاعة في أحد أبدًا، ويعطون الأمان للبعض فإذا حضروا قبضوا عليهم وشلحوهم ثيابهم وقتلوهم. |
|
الدافع الثاني لتبنِّي المعتقدات هو حماية القِيَم التي نرى أنها مقدَّسة. قد تشمل أمثلة هذه القِيَم ما يلي: «أعتقد أن الناس يجب أن يكونوا أحرارًا»، أو «أومن بقدسية الحياة البشرية»، أو «مقصدُ الرب هو أن يكون الجنس بين الرجل والمرأة.» المثال الأخير من هذه الأمثلة يثير جدلًا في المجتمع الأمريكي في الوقت الحاضر، لكن حتى المعتقدات غير المثيرة للجدل تصبح مثيرةً للجدل عندما نبدأ في تفسيرها وتطبيقها. يعتقد الجميع أن الحياة البشرية مقدَّسة، ويؤمن الجميع بالحرية، والجدلُ المثار حول الإجهاض راجعٌ إلى حدٍّ بعيد إلى تصارُع هاتين القيمتين إحداهما مع الأخرى؛ فإذا كانت اللاقحةُ التي عمرُها ساعاتٌ حياةً بشريةً، يصبح إذن الإجهاض أمرًا يَعافُه الضمير، لكنْ إنْ لم تكن كذلك، فإن تقييد حق الفرد في الإجهاض يُعَدُّ تدخُّلًا من جانب الحكومة في حريات الفرد. هل يمكن أن يقدِّم العلماءُ جوابًا حاسمًا حول ما إذا كانت الحياة تبدأ بالفعل في لحظة الإخصاب، أشكُّ في ذلك، لكنْ حتى إذا استطاع العلماء فعل ذلك، «فإن معظم الناس لن يرغبوا في سماع الجواب». إن موقفَهم من الإجهاض ليس مبنيًّا على الحقائق، بل على القِيَم. |
|
بعد إجراء مجموعة من التجارب، ومنها أحد مهام المطابقة الأساسية، والمُتمثِّلة في مطابقة خطٍّ بخط، التي كانت قد أُجرِيَت لمرَّاتٍ عديدة بين أفراد البيراها؛ توصَّل الباحثون إلى نتيجة شبيهة للغاية، وهي أنَّ الصُّم الذين لا يَعرفون لغة الإشارة «لا يَستطيعون مطابقة عدد العناصر في مجموعةٍ ثانية بعدد العناصر في المجموعة الهدَف، إذا كانت المجموعتان تضمَّان أكثرَ من ثلاثة عناصر.»19 وكأفراد الموندوروكو والبيراها، يجِد هؤلاء الأفراد البالغون صعوبةً في تمييز كمية عناصر المجموعة بدقَّة وإعادة إنتاجها، حين تتجاوز الكميةُ ثلاثة. فعلى سبيل المثال شاهد الصمُّ الذين لا يعرفون لغة الإشارة بطاقاتٍ عليها صورٌ لعددٍ مُحدَّد من العناصر، ثم طُلِب منهم أن يُمثِّلوا عدد العناصر الموجودة على البطاقة باستخدام أصابعهم. وحين كان عدد العناصر المُصوَّرة على البطاقات واحدًا أو اثنَين أو ثلاثة، كانوا يُمثِّلون العدد الصحيح بأصابعهم في جميع المحاولات. أما في الكميات الكبيرة فقد انخفضت نِسبة إجاباتهم الصحيحة، وازداد مقدارُ أخطائهم وَفقًا لزيادة كمية العناصر. وعلى العكس من ذلك، فالذين يتحدَّثون لغة الإشارة الرسمية من الصُّمِّ النيكاراجاويين، الذين يَعرفون مفردات الأعداد، لم يُخطِئوا، وكذلك أهل نيكاراجاوا من غير الصم، الذين يَعرفون مفردات الأعداد بالإسبانية. وموجز القول أنَّ النتائج التي حصل عليها الباحثون من النيكاراجاويين تقترِب من استنتاجٍ قد أصبح الآن مألوفًا، وهو أنَّ البشر يحتاجون إلى استخدام مفردات الأعداد لكي يتمكَّنوا من أن يُميِّزوا بين الكميات الأكبر من ثلاثة بدقةٍ واتِّساق. |
|
ترى إذن أنْ لا بد لفهم التاريخ العربي من فهم التواريخ التي التقت به، والعجيب في أمر حضارة هذه الأمة العربية أن تناسب أجزائها، وانتظام عناصرها في نسق محبوك مسبوك يرجع إلى وضوح الملامح، وبروز التقاسيم، فلا يصعب على الناظر تبين كل جزء وكل تفصيل. كتب أحد الأقدمين في صفة أهل الأندلس كتابة تطلعنا على تلك الخاصية من خصائص الحضارة العربية قال: (وقد روى كلامه الأستاذ محمد كرد علي في كتابه: الإسلام والحضارة العربية) «أهل الأندلس عرب في الأنساب، والعزة والأنفة، وعلو الهمم، وفصاحة الألسن، وطيب النفوس، وإباء الضيم، وقلة احتمال الذل، والسماحة بما في أيديهم، والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية، وهنديون في إفراط عنايتهم بالعلوم، وحبهم فيها، وضبطهم لها ورواياتهم، وبغداديون في ثقافتهم، وظرفهم، ورقة أخلاقهم، ونباهتهم، وذكائهم، وحسن نظرهم، وجودة قرائحهم، ولطافة أذهانهم، وحدة أفكارهم، ونفوذ خواطرهم، يونانيون في استنباتهم للمياه، ومعاناتهم لضروب الغراسات، واختيارهم لأجناس الفواكه، وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال وتحسين الصنائع، وأحذق الناس بالفروسية، وأبصرهم بالطعن والضرب.» |
|
#### (٥) وصف مدينة القرم
ثم اكترينا عجلة وسافرنا إلى مدينة القِرَم وهي بكسر القاف وفتح الراء، مدينة كبيرة حسنة من بلاد السلطان المعظم محمد أوزبك خان، وعليها أمير من قبله اسمه تلكتمور وضبط اسمه بتاء مثناة مضمومة ولام مضموم وكاف مسكن وتاء كالأولى مضمومة وميم مضمومة وواو وراء، وكان أحد خدام هذا الأمير قد صحبنا في طريقنا فعرفه بقدومنا، فبعث إلي مع إمامه سعد الدين بفرس ونزلنا بزاوية شيخها زاده الخراساني، فأكرمنا هذا الشيخ ورحب بنا وأحسن إلينا وهو معظم عندهم، ورأيت الناس يأتون للسلام عليه من قاضٍ وخطيب وفقيه وسواهم، وأخبرني هذا الشيخ زاده أن بخارج هذه المدينة راهبًا من النصارى في دير يتعبد به ويكثر الصوم، وأنه انتهى إلى أن يواصل أربعين يومًا ثم يفطر على حبة فول، وأنه يكاشف بالأمور ورغب مني أن أصحبه في التوجه إليه فأبيت ثم ندمت بعد ذلك على أن لم أكن رأيته وعرفت حقيقة أمره.
ولقيت بهذه المدينة قاضيها الأعظم شمس الدين السايلي قاضي الحنفية، ولقيت بها قاضي الشافعية وهو يسمى بخضر، والفقيه المدرس علاء الدين الأصي، وخطيب الشافعية أبا بكر وهو الذي يخطب بالمسجد الجامع الذي عمره الملك الناصر٢ رحمه الله بهذه المدينة، والشيخ الحكيم الصالح مظفر الدين وكان من الروم فأسلم وحسن إسلامه، والشيخ الصالح العابد مظهر الدين وهو من الفقهاء المعظمين، وكان الأمير تلكتمور مريضًا فدخلنا عليه فأكرمنا وأحسن إلينا، وكان علي التوجه إلى مدينة السرا حضرة السلطان محمد أوزبك فعملت على السير في صحبته واشتريت العجلات برسم ذلك. |
|
* (٣)
اللعب: يأخذ اللاعب الأول الكجة١ بيمينه ويقذفها إلى الجدار، ثم يتلقَّاها بيمينه أيضًا محاذرًا سقوطها على الأرض، وهكذا يستغرق في اللعب زمنًا يختلف طوله وقصره بالنسبة إلى براعة اللاعب في هذه اللعبة … فيستأنف رَمْيَ الكجة «أو الكرة» إلى الجدار بيده اليمنى، فتصدم به وترجع إليه مرة ثانية، فيصدمها بيمينه، وهكذا ثالثة ورابعة إلى عشرات المرات دون أن يمسكها.
أما إذا سقطت أرضًا، فيتناولها اللاعب الثاني ويبدأ بقذفها إلى الجدار واتقائها بيمينه، كما كان يفعل غريمه، وإنهم اعتادوا أن يرددوا أثناء قذفهم الكجة «أو الكرة» إلى الجدار أيام الأسبوع من السبت إلى الجمعة.
أو يتزايد اللاعب مع صاحبه بمقدار القذفات التي يوجهها إلى الجدار، ويكتفي بالحساب فقط، ومن يحسب أكثر فهو الفائز.
وقد يتفنَّن اللاعب في قذف الكرة، فتراه تارة يضرب بها الأرض، ثم يتلقاها، وطورًا يقذفها إلى العلاء ثم يتناولها بيديه، وأحيانًا يقذفها من بين رجله اليمنى أو اليسرى إلى العلاء ثم يتلقاها بيديه، وبالأخير فهو يقذفها إلى الأعلى فيصدمها برأسه صدمة عنيفة «فيحج» «أو نال الحجة» كما يقولون. |
|
هذه القصة لخصتها تلخيصًا شديد الإيجاز مخلًّا بكثير من معانيها، مضيعًا لكثير مما فيها من الآراء القيمة، فلم أترجم لك منها شيئًا، ولم أتلُ عليك منها حوارًا، وأحسب أنك قد ألممت بها إلمامًا، وأحسب أنك تشعر معي بأن هذه القصة تبعث الحيرة في نفس من يقرؤها، ومن يشهدها، فماذا أراد الكاتب؟ أأراد أن يقارن بين الفلسفة والعمل، وأن يفضل العمل على الفلسفة؟ فإن أراد هذا فقد ظلم الفلسفة؛ لأنه مثلها تمثيلًا سيئًا، ووضع الأستاذ الفيلسوف موضعًا مضحكًا، يشبه موضع الفلاسفة الذين يسخر منهم «موليير»، وغير «موليير» من الممثلين المضحكين. وقد كان الإنصاف يلزمه أن يمثل الفلسفة تمثيلًا صحيحًا كما مثل العمل تمثيلًا صحيحًا؛ حتى تكون نتيجة الخصومة بينهما مقنعة للقراء أو للنظارة، أم أراد أن يدرس نفس هذه الفتاة، وأن يبين أن الحب الفلسفي الذي لا يطمع إلا في الذكاء، ولا يرغب إلا في اتحاد الميول العقلية الخالصة ضعيف الأثر في نفوس النساء؛ لأنه يهمل أشياء لم تهملها الطبيعة: يهمل القلب، والعاطفة، والحس؟ فإن كان أراد هذا فليس هذا بجديد، وإنما هو شيء مألوف قاله الناس، وأكثروا من الخوض فيه، أم أراد الأمرين جميعًا؟ أم لم يرد شيئا منهما، وإنما حاول أن يعرض على قرائه ونظارته طائفة من الخواطر والآراء ليست متسقة ولا متصلة، فتكلف لها صورة القصة التمثيلية ليوجد بينها الاتساق والاتصال؟ ذلك ما أظن، وأرى أن الكاتب إن كان قصد إلى هذا فقد وفق توفيقًا لا بأس به، ولكنه لم يحسن إلى التمثيل، فإن التمثيل لا يقصد به إلى عرض الخواطر والآراء، وإنما يقصد به قبل كل شيء إلى تصوير الحياة الواقعة، أو إلى تصوير المثل الأعلى للحياة تصويرًا يملك على الجمهور قلبه وهواه، ويوجهه إلى الطريق التي يريد الكاتب أن يتجه إليها، وليس من شأن هذه القصة أن تترك في نفس الجمهور مثل هذا الأثر، ولكن من شأنها أن تعجب القارئ، وتلذه، وترفه عليه، وقد كان خليقًا بها أن تبسط في كتاب لا في قصة تمثيلية. |
|
فأَمر «المهْدِيُّ» — رَحِمَهُ اللهُ — برَفعِ موَضع في أَعْلَى البلدِ يُسمى رَأْسَ الرَّدْمِ. فمتَى جاءَ السَّيْلُ عرَّجَ عن ذلك الرَّدْمِ إلى مَجْراهُ، واستمرَّ عَلَى بابِ «إِبراهيمَ» إِلى المَوْضعِ الذي يُسَمى (المسْفَلَةَ)، وَيخرُجُ عن البلدِ وَلا يجري الماءُ فيهِ إلا عنْدَ نزُول المَطَرِ الكَثيرِ. وهوَ الوادِي الذي عَنَى «إِبراهيمُ» ﷺ بقَوْلِهِ، حيثُ حَكَى اللهُ تبارَك وتعالى عنهُ: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ |
|
يقول الجاحظ: الكذب جماع كل شر، وقد قالوا: لم يكذب أحد قط إلا لصغر قدر نفسه عنده. ويقول الراغب في الذريعة: إن الصدق أحدُ أركان بقاء العالم حتى لو تُوُهِّمَ ارتفاعه لما صحَّ نظامه وبقاؤه، وهو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع، ولهذا قال الله — عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، قال: والاختصاص بالكذب انسلاخ من الإنسانية، وخصوصية الإنسان المنطق، فمن عرف بالكذب لم يُعتمد نطقه، ومن لم يعتمد نطقه لم ينفع، وإذا لم ينفع نطقه صار هو والبهيمة سواء، بل يكون شرًّا من البهيمة فإن البهيمة إذا لم تنفع بلسانها لم تضر؛ والكاذب يضر ولا ينفع. وقد ورد في التنزيل العزيز لَعْن الكاذبين كما ورد لعن الكافرين والظالمين ومَنْ نقضوا الميثاق. ولم يجوِّز رسول الله الكذب في جد ولا هزل، وقال الحكماء: ليس لكذاب مروءة، ومن عُرِفَ بالكذب لم يجز صدقه، وأبدع ابن المقفع في قوله: رأس الذنوب الكذب وهو يؤسسها وهو يتفقدها ويثبِّتها ويتلوَّن ثلاثة ألوان بالأُمنية والجحود والجدل، يبدأ صاحبه بالأُمنية الكاذبة فيما يزين له من السوآت فيشجعه عليها بأن ذلك سيخفى، فإذا ظهر عليه قابله بالجحود والمكابرة، فإن أَعياه ذلك ختم بالجدل، فخاصم عن الباطل ووضع له الحجج والتمس به التثبُّت، وكابر الحق حتى يكون مسارعًا للضلالة ومكابرًا بالفواحش. |
|
وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ |
|
لَكِ اللهُ أَيَّامَ الصِّبَا كُلَّمَا صَبَا
إِلَيْكِ مُحِبٌّ ذَكَّرَتْهُ بِكِ الصَّبَا
فَإِنْ كُنْتِ حُلْمًا لَا أَرَانِي بِحَاجَةٍ
إِلَى يَقْظَةٍ مَا دَامَ حُلْمِي مُحَبَّبَا
أَيَحْلُو الْهَوَى الْعُذْرِيُّ فِي غَيْرِ عَالَمِ الْـ
ـخَيَالِ رَعَاكِ اللهُ يَا جِيرَةَ الصِّبَا
فَكَمْ آلَمَتْ نَفْسِي الْحَقَائِقُ فِي الْهَوَى
كَأَنِّيَ بِالْأَوْهَامِ تُخْفِي النَّوَائِبَا
وَقَدْ تُبْتُ لَمَّا صَافَحَ الشَّيْبُ مِفْرَقِي
وَقُلْتُ لَهُ أَهْلًا وَسَهْلًا وَمَرْحَبَا |
|
# أَبُو الْأَشْبَالِ يَصْطَفِي فِيلًا
لِسَبَبٍ مَا، اصْطَفَى مَلِكُ الْحَيَوَانَاتِ١ فِيلًا لِيَكُونَ جَلِيسَهُ وَنَدِيمَهُ وَأَمِينَ سِرِّهِ، وَانْطَلَقَتْ أَلْسُنُ أَهْلِ الْغَابَةِ تَلُوكُ الْخَبَرَ، وَتُعَقِّبُ عَلَيْهِ بِمَا يَعِنُّ لِأَصْحَابِهَا مِنْ آرَاءٍ وَمُلَاحَظَاتٍ، فَمِنْ قَائِلٍ: أنْ لَيْسَ لِلْفِيلِ مِنْ حُسْنِ الْمَنْظَرِ، أَوْ تَوَقُّدِ الذِّهْنِ، أَوْ سُرْعَةِ الْخَاطِرِ مَا يُحَبِّذُ هَذَا الِاخْتِيَارَ غَيْرَ الْمُوَفَّقِ.
وَقَالَ أَبُو نَوْفَلٍ،٢ وَهُوَ يُلَوِّحُ بِذَيْلِهِ تِيهًا وَعُجْبًا: «لَوْ كَانَ لِلْفِيلِ مِثْلُ هَذَا، لَكُنْتُ أَدْرَكْتُ سَبَبَ اخْتِيَارِهِ لِهَذَا الْمَنْصِبِ السَّامِي.»
وَقَالَ الدُّبُّ: «أَوَ لَوْ كَانَ لَهُ مِثْلُ مَخَالِبِي الْحَادَّةِ لَمَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَقِدَ هَذَا الِاصْطِفَاءَ.»
وَقَالَ الثَّوْرُ — وَهُوَ يَهُزُّ رَأْسَهُ مُحْتَجًّا: «أَظُنُّ أَنَّ صَاحِبَ الْجَلَالَةِ أُعْجِبَ بِنَابَي الْفِيلِ الطَّوِيلَيْنِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمَا قَرْنَايَ.»
وَقَالَ الْحِمَارُ، بَعْدَ أَنْ نَفَضَ رَأْسَهُ فَاهْتَزَّتْ أُذُنَاهُ: «يُدْهِشُنِي أَلَّا أَجِدَ بَيْنَكُمْ، أَيُّهَا الرِّفَاقُ، مَنْ أَدْرَكَ أَنَّ لِلْفِيلِ أُذُنَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ كَهَاتَيْنِ … وَلِأَجْلِهِمَا اصْطَفَاهُ مَلِكُنَا الْمَحْبُوبُ!»
١ كُنية الأسد.
٢ كنية الثعلب. |
|
ومن عاداتهم ألَّا يركب أحد هنالك إلا الوزيرُ، ولقد كنت لما أعطوني الفرس فركبته يتبعني الناس رجالًا وصبيانًا، يعجبون مني، حتى شكوت له، فضُربت «الدنقرة» وأعلن في الناس ألَّا يتبعني أحدٌ، والدنقرة بضم الدال وسكون النون وضم القاف وفتح الراء: شبه طست من النحاس تُضرب بحديدة، فيُسمع لها صوت على البُعد، فإذا ضربوها حينئذٍ يُعلن في الناس ما يراد، فقال لي الوزير: إن أردت أن تركب فعندنا حصان ورمكة فاختر أيهما شئت، فاخترت الرمكة، فأتوني بها في تلك الساعة وأتوني بكسوة، فقلت له: وكيف أصنع بالودع الذي اشتريته؟ فقال: ابعث أحد أصحابك ليبيعه لك ببنجالة، فقلت له: على أن تبعث أنت من يعينه على ذلك، فقال: نعم، فبعث حينئذٍ رفيقي أبا محمد بن فرحان، وبعثوا معه رجلًا يسمى الحاج عليًّا، فاتفق أن هاج البحر فرموا بكل ما عندهم حتى الزاد والماء والصاري والقربة، وأقاموا ست عشرة ليلة لا قلع لهم ولا سكان، ولا غيره، ثم خرجوا إلى جزيرة سيلان بعد جوع وعطش وشدائد، وقدم عليَّ صاحبي أبو محمد بعد سنة وقد زار القرم، وزارها مرةً ثانية معي. |
|
الشُّعَيْب الأول Sub-class
الثدييات الولود (أو) الولودات Viviparous Mammals (Eutheria or Vivipara)
القسم أ (Section A): المشيميات (Placentals (or) Placentalia)
القبيلة ١: الرئيسات | Order 1: Pilmates (Primata)
القبيلة ٢: الخُفَّاشيَّات | Order 2: Chiroptera
القبيلة ٣: الحَشَريَّات | Order 3: Insectivora
القبيلة ٤: الَّلواحم | Order 4: Carnivora
القبيلة ٥: القَواضم | Order 5: Rodentia
القبيلة ٦: الأناعيم | Order 6: Ungulata
القبيلة ٧: الخَيْلان | Order 7: Sirenia
القبيلة ٨: الحيتان | Order 8: Cetaca
القبيلة ٩: الدَّرْدَاوَات | Order 9: Edentata
القسم ب (Section B): اللَّامشِمِيَّات: (Implacentals (or) Implacentalia)
القبيلة ١٠: الجِرابِيَّات | Order 10: Marsupialia
الشُّعَيْب الثاني Sub-class II
الثدييات البيوض (أو) البيوضات Egg-laying Mammals (Hypotheria Or Ovipara)
القبيلة ١١: الشَّوابك أو المسلكيات | Order 11: Monotremata |
|
* الحتمية قد أصبحت يقينية في العالم اللاعضوي، فلماذا لا تصبح هكذا في العالم العضوي وأيضًا العالم العقلي؟ إنها حجة المماثلة التي دفعت بقية أفرع العلم — كما أوضح المدخل — إلى السعي نحو المثال الحتمي.
* والحجة الثانية أقوى الحجج، إنها تقوم على أن حركات الأجسام المادية حتى تلك التي تنسب عادةً إلى الإرادة والحُرية يمكن تفسيرها في حدود العِلية الفيزيقية، وما دام الأمر هكذا فإن الإرادة الحرة ليست لها فاعلية عِلِّية، وقد يثار اعتراض من أنصار الحُرية مؤدَّاه أنَّه من الواضح أن الإرادة الحرة عادة ما يتبعها الفعل أو الحركة المرادة وأن بعض تسلسلات الحركات الجسدية كتلك المتضمنة في كتابة هذه السطور ما كانت لتحدث ما لم تسبقها إرادة حرة مناظرة، فكيف يمكن تفسير هذا الارتباط غير المتغير تقريبًا والذي ليست له أية علاقة عِلِّية مباشرة؟ وأكثر الاستفسارات استصوابًا أن بعض العوامل الفيزيقية في العلَّة الكلية لمثل هذه الحركات الجسمية لها معلولات فيزيقية وبالمثل معلولات نفسية، والحركة الجسمية لا تحدث إلَّا إذا سبقها وضع فيزيقي هو مثل سائر الأوضاع الفيزيقية محتم تمامًا، وطالما أن أية إرادة — هي بالضرورة — مصاحبة أو تالية لأوضاع فيزيقية كانت كل إرادة محتومة تمامًا،١٥ وبالتالي يصبح افتراض حريتها مستحيلًا أو على أحسن الفروض نافلة لا داعي لها. |
|
#### الدوافع الحقيقية لعزلته
فهل حقيقة أن الغزاليَّ اعتزل التدريس لأنَّه — كما يقول — لم تكن نيته فيه خالصة لله، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت؟ أم أنه اعتزل التدريس والحياة لتَحَوُّلِ وجه الخليفة عنه بتحيزه إلى يوسف بن تاشفين أمير المغرب؟
إننا في حاجة إلى كثير من السذاجة لنصدق الغزاليَّ؛ إذ يقول في سذاجة إنه ترك التدريس؛ لأنَّ نيته فيه غير خالصة لوجه الله، وإنما باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت.
وهل هناك نفسٌ بشرية تجردت تجردًا كاملًا من هذا الباعث والمحرك، أو تُحاسب على هذا الباعث والمحرك؟ وما معنى أنَّ نيته فيه لم تكن خالصة لوجه الله؟ هل أُجبر الغزاليُّ على أن يلقي دروسًا معينة تتعارض مع روح الإسلام؟!
وإذا لم يكن هذا، فما معنى هذا الكلام الغريب الساذج؟ وهل إذا ترك الغزاليُّ التدريس يكون ذلك مبررًا لتركه الحياة واعتكافه؟
فإذا أعرضنا عن هذا ونظرنا أو صدَّقنا العلَّامة ماكدولاند في أن عزلته كانت سياسية، فإن الأسباب التي ذكرها لا تبرر اعتكاف الغزاليِّ، بل إصراره على الاعتكاف طوال حياته.
إن اعتكاف الغزاليِّ كان باعثه تلك المعركة المشبوبة بين إيمانه وشكِّه، وهي معركة لعبت في حياة الغزاليِّ وتفكيره دورًا خطيرًا فاصلًا.
شكَّ الغزاليُّ في كل علم درسه، شكَّ في قيمة العلوم كما شكَّ في مظاهر الحياة وأهدافها وغايتها، شكَّ في كل ما يقع تحت الحسِّ وفي كل ما يثبته العقل، شكَّ حتى في تفكيره! ثم التمس الهداية عن طريق الحواس والعقل، ونشدها في كل أفق شاهَدَ فيه الضياء والنور، أو خُيل إليه أن فيه الضياء والنور.
ولنا أن نسأل هل شكوك الغزاليِّ طارئة؟ وهل حقيقة أن الشك لم يظفر بقلبه إلا في المدرسة النظامية؟ وهل حقيقة أنه اعتزل الطعام والكلام لأنَّه وجد نيته في التدريس غير خالية من حب الشهرة والمجد؟ |
|
وإنه لمن الأمور التي تدعو إلى الدهشة حقًّا أن يكون فهم معاصري اسپينوزا، على بساطتهم العقلية، أفضل كثيرًا من فهم الكتَّاب الحاليين له، رغم كل ما يتميزون به من علم أغزر وتجارب أعمق. ويعلل «ليوشتروس» ذلك بأنه راجع إلى أن ظاهرة التخفي في التعبير عن الآراء exotericism، وأسباب هذا التخفي، كادت أن تصبح منسية تمامًا،١٣ وهذا تعليل عميق؛ إذ إن المرء إذا كان منتميًا إلى مجتمع يكون من الضروري فيه إخفاء الآراء المخالفة للتقاليد الدينية أو الاجتماعية أو السياسية السائدة، يغدو أقدر على كشف المعاني الخفية من وراء التعبيرات المستترة للآخرين؛ فالمجتمع الذي عاش ظاهرة الصراع الفكري والتخفي والاضطهاد، أقدر على قراءة ما بين السطور من ذلك الذي نسي هذه الظاهرة وتخلص منها. ونستطيع أن نضيف إلى ذلك تعليلًا آخر، هو أنَّ تديُّن نقَّاد اسپينوزا من معاصريه كان تديُّنًا مباشرًا لا يعرف التواءً ولا تحويرًا؛ فالمتدين كان متعصبًا لعقيدته بصورتها الحرفية، وكان يدرك بسليقته كل ما لا يتنافى مع هذه الصورة الحرفية ولا يتردد في نقده. أما مفكرو اليوم، ولا سيما ذوو النزعات الدينية منهم، فإنهم قد اعتادوا الأساليب الملتوية المطاطة في التفسير، وهي الأساليب التي تتيح لهم تأويل أي نص يتعارض مع حرفية العقيدة على نحوٍ كفيل بتقريبه، بأكثر الطرق تصنعًا، من فهمهم الخاص للدين. بل إن فهمهم هذا ذاته قد وُسِّع وحُوِّر بحيث يمكنه أن يتفق مع أي مذهب هو في نظر المنطق السليم مضاد للعقائد في صورتها الأصلية. وهذا ما جعل المحدَثين يجدون دائمًا في فلسفة اسپينوزا ما يتفق مع العقائد الشائعة، بعد تأويلهم لتلك الفلسفة وتحويرهم لهذه العقائد. وفي هذا، دون شك، إساءة لفهم اسپينوزا من وجهة نظر التفسير الموضوعي السليم. |
|
ليكن و أي نقطتين في الفراغ، وارسم خطًّا (سهمًا) من إلى . سوف نسمي «رأس» السهم ونوضحها بالرمز . أحيانًا نسمي «ذيل» السهم. يُمَثِّل السهم (والذي سوف نسميه متجه ) إزاحةً؛ أي التغير في موضع جسيم يتحرك (أو يُحَرَّك) من إلى . إذا اعتبرنا و نقطتين على مسار الجسيم، فسوف ندرك أن هناك العديد من المسارات المحتملة من إلى . على سبيل المثال (شكل ١)، إذا أرشدنا الجسيم بأيدينا، يمكننا أن نحركه على خط مستقيم من إلى ، ثم على خط من إلى ، وبعدها على خط من إلى المتجه يمثل التأثير المحصِّل لتلك الإزاحات الثلاث المتتالية. يرمز لطول (أو «مقدار») بالرمز أو ، وهو المسافة (عدد موجب دائمًا) بين و. نفضل استخدام كلمة «مقدار» عن كلمة «طول»؛ لأن المتجهات قد تُمثِّل كيانات (مثل السرعات والتسارعات) أبعادها ليست أبعاد الطول. يمكن وصف اتجاه رياضياتيًّا (مثلًا بواسطة إحداثيين قطبيين على كرة)، لكننا نتعمد في هذه المرحلة الامتناع عن تقديم أي مجموعة معينة من المحاور. |
|
بيان عدد سكان الدول المذكورة وما لكل منها من الأصوات في مجلس النواب العام وأسماء التخوت.
السكان | الأصوات | التخوت | أسماءُ الدول
---|---|---|---
۲۲۲٥۲٤۰ | ٤ | درازد | دولة الساكس
٥٤٦٦۳۹ | ۲ | شوارن | دولة مكلمبورغ شوارن
۹۹٦۲۸ | ۱ | نيو سترالتس | دولة مكلمبورغ سترالتس
۲۹٤۳٥۹ | ۱ | أولدنبورغ | دولة أولدنبورغ
۲٦۷۱۱۲ | ۱ | وايمار | دولة ساكس وايمار
۲۷٤۰٦۹ | ۲ | برونزويك | دولة برونزويك
۱۱۹٥۱٥ | ۱ | داسو | دولة أنهالت داسو تساتن
۱٦۸۸۱٦ | ۱ | مايننغن | دولة ساكس مايننغن
۱٥۳۸۷۹ | ۱ | كوبورغ | دولة ساكس كوبورغ غوطا
۱۳۷۰۷٥ | ۱ | آلتنبورغ | دولة ساكس آلتنبورغ
۱۰٦۰۸٦ | ۱ | ديتمولد | إيالة ليبي ديتمولد
٥۷٥٥۰ | ۱ | أرولسان | إيالة والديك
۷۰۰۳۰ | ۱ | رودولستات | إيالة شوارتسبورغ رودولستات
٦۲۹۷٤ | ۱ | سوندرسهوزن | إيالة شوارتسبورغ سوندرسهوزن
۸۱۸۰٦ | ۱ | شلايز | إيالة رويس شلايز
۳۰۱٤٤ | ۱ | بوكبورغ | إيالة شومبورغ ليبي
۳۹۳۹۷ | ۱ | غرايز | إيالة رويس غرايز
۲۲۹۹۱۱ | ۱ | هامبورغ | بلدة هامبورغ
٥٥٤۲۳ | ۱ | لوبك | بلدة لوبك
۸۸۸٥٦ | ۱ | بريمن | بلدة بريمن
۸٤٥٥۷۱ | ۱ | دارمستات | إيالة هاس دارمستات
٥۹٥٤۰۸۰ | ۲٦ | جملة السكان والأصوات |
|
ونظرًا لأن بنود البرنامج السابق ألهمت التقدميين، بل حقَّقوا معظمها على أرض الواقع بعد بضع سنوات، فإن البرنامج يكشف لنا الأفكار الإصلاحية التي كانت تَختَمِر بالفعل في ذلك الوقت المبكر. لقد استهدف بعضها بوضوح مشكلات الزراعة، مثل قضايا «الأرض والنقود والنقل»، وتلك الأفكار خضعت للتهذيب والتدقيق خلال العامَيْن أو الثلاثة التي تَلَتِ اتساع نطاق تحالفات المزارعين. وتركزت في تخفيف أعباء الرهن العقاري وتنظيم عمل شركات السكك الحديدية والتوسع النقدي (سواء العملات الخضراء أو العملات الفضية). كانت العُملة، حسب زعم تلك التحالفات، قد انكمشت بالفعل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، فأرهقت المنتِجين الفعليين بشدة، وفي الوقت نفسه ساهمت صور أخرى من النقود (مثل الشيكات، والودائع النقدية، وشهادات الإيداع ما بين المصارف، والأوراق المالية القابلة للتداول) في زيادة كبيرة في العرض النقدي في الأجزاء الأكثر ثراءً من البلاد. أشار أحد الشعبويين إلى أن ورقة نقدية بقيمة خمسة دولارات تتناقلها الأيدي عدة مرات يوميًّا في نيويورك أو شيكاجو ربما لا تنتقل إلا مرة أو مرتين أسبوعيًّا من يدٍ إلى أخرى في القرى الريفية؛ مِن ثَم لا يَملِك الريفيون سوى جزء ضئيل من النقود المتوفرة لسكان المدن. لم يكن حجم الدولارات المتداوَلة هو المشكلة؛ بل سرعة تدفقها هي ما مثَّلت نقطة حاسمة. |
|
٦٣ والفعل حلق «ح ل ق» يعني — إضافة إلى قص الشعر — القتل والذبح، والحلق هو المستدير في الشيء، وهو رمز جنسي واضح، و«حلق» بمعنى ارتفع وطار في التفسيرات الفرويدية رمز للفعل الجنسي … وكما سبق أن أشرنا إلى أن امتزاج المجتمعين الرعوي «أبوي النظام» والزراعي «أمومي النظام» في الزمان الغابر، قد أدى إلى امتزاج مماثل في الطقوس والشعائر؛ لذلك أصبحت احتفالات الجنس تصحب احتفالات التضحية، وهناك دلالة واضحة على صدق ترجيحاتنا هذه نستقيها من المصادر اللغوية، إذ يرتبط «الغنم» رمز التضحية والجنس «لغة» في تبادل اللام والنون بين «غنم» و«غلم»، والغلم هو الجنس والشهوة، و«اغتلم» مارس الجنس، «وغلمة» تعني اشتداد الشهوة (ارجع في ذلك إلى الفيروزآبادي، ج٤، ص١٥٨). كما أن صغير الغنم «حمل» يؤدي جذوره بنا إلى «لحم» بمعنى جسد، وإلى «الحمل» والميلاد … وزيادة في التعضيد نلفت النظر إلى العلاقة ما بين القرن (قرن الخروف والهلال) وبين «القران» بمعنى الزواج، وما جاء في عجائب المخلوقات للقزويني (ص٤٠٩): «إذا دفن القرنان تحت الشجرة بكرت الميلاد.» وما نعلمه عن حج القران في الجاهلية، وتزيدنا اللغة تأييدًا في كلمة «الموسم» وهي الأمطار الربيعية الأولى، وكلمة «الموسم» بمعنى زمن الاحتفال بالموسم، أو احتفالات الخصب، والمومس، وهي المرأة «الموسومة» بالزنى، مع ملاحظة انتشار الموامس في مكة قبل الإسلام، فهل هناك علاقة بين طقس الحج الجاهلي وبين وجود طائفة الموامس؟ وهل يرتبط الوسم والموسم والموامس؟ نترك ذلك لمن يهتم من الباحثين. |
|
لَا شَكَّ أنَّ الدكتور علي الرَّاعي قد أسدى يدًا طيبة لأدبنا المعاصر؛ بنشر كتابه الأخير عن فن المسرحية، وعلي الرَّاعي رجل دقيقٌ يُحِبُّ دائمًا أن يتثبت من كل ما يقول أو يفعل، ومع ذلك أخشى بعض الشيء على أدبائنا النَّاشئين من أن يُكَبِّلهم هذا الكتاب بقيود التأليف المسرحي التي أُحِسُّ من خبرتي الطويلة بهذا الفن أنَّ عمالقته أنفسهم قد تحللوا من كثير منها، أو على الأقل طَوَّرُوها، بحيثُ تصبح عَوْنًا للمواهب لا قيودًا تُحِدُّ من انطلاقها المثمر المستنير، وإن كنتُ أَحْمَدُ لِعَلِيٍّ الرَّاعي ما قَرَّرَهُ في إحدى صفحات هذا الكتاب؛ من أنَّ الأصول التي قَرَّرَها ليست مُقَدَّسة، ومِنْ حَقِّ الأدباء أن يخرجوا — إذا أرادوا — على ما يشاءون منها، بشرط أن يكون خروجهم عن وعْيٍ وعلم. |
|
الفريق حسن باشا الإسكندراني قائد عام الجيش البحري | ١
أركان حرب وتوابع الفرقة | ٥٠
الغليون مفتاح جهاد وبه ١٠٠ مدفع بقيادة القائمقام طاهر بك | ١٠٤٠
الغليون جهاد أباد وبه ١٠٠ مدفع بقيادة القائمقام خليل بك | ١٠٤٠
الغليون الفيوم وبه ١٠٠ مدفع بقيادة القائمقام خليل بك | ١٠٤٠
الفرقاطة رشيد وبه ٦٠ مدفع بقيادة البكباشي مرجان قبودان | ٦٣١
الفرقاطة شير جهاد وبه ٦٠ مدفع بقيادة البكباشي خورشيد قبودان | ٦٣١
الفرقاطة دمياط وبه ٦٠ مدفع بقيادة البكباشي أحمد شاهين قبودان | ٦٣١
الفرقاطة البحيرة وبها ٦٠ مدفعًا بقيادة البكباشي حجازي أحمد قبودان | ٦٣١
وابور النيل وبه ٣٠ مدفعًا بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان | ٣٧١
قرويت جناح بحري وبه ٢٤ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان | ٢١٣
قرويت جهاد بيكر وبه ٢٤ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي حسن ارنئود قبودان | ٢١٣
جويليت الصاعقة وبه ١٢ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان | ١٧٩
الوابور بروانه بحري وبه ١٢ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان | ١٧٩ |
|
مرض اللسان الأزرق هو مرض فيروسي يصيب الأغنام، وتحمله بعوضة صغيرة ماصَّة للدماء. يترك المرض الحيوانات في حالة هُزال شديد حتى إنها لا تقوى على الرؤية أو تناول الطعام أو الحركة، وتَنْفُق سبعين بالمائة من القُطْعان المصابة، وتضاهي قدرتُه على الفتك قدرةَ الحمى القُلاعية. عَبَرَ البعوضُ — المنتشر في شمال أفريقيا — البحرَ المتوسط ووَصَلَ إلى جنوب أوروبا عام ١٩٩٨. أسفرت موجاتُ تفشي الوباء في أنحاء إسبانيا وإيطاليا واليونان وبلغاريا عن نُفوق ما يزيد عن نصف مليون من الأغنام. ذكر المتحدث الرسمي باسم معهد بُحوث الصحة الحيوانية أنه يرى أن انتشار مرض اللسان الأزرق ربما يعود إلى التغير المُناخي؛ فمع كل ارتفاع — ولو لدرجة واحدة مئوية في متوسط درجات الحرارة السنوية — تمد البعوضة مداها أكثر شمالًا لمسافة ٥٦ ميلًا في المتوسط، بل الأمر الأكثر إنذارًا بالسوء أن مدى البعوضة يتداخل الآن مع مدى نوعٍ آخرَ من البعوض وثيق الصلة بهذا النوع الأول، الذي يستطيع أن يعيش في مناطق أبعد من الشمال؛ مما يثير احتمالَ وُصول خطر المرض إلى مُناخاتٍ أكثرَ بُرودة. |
|
و«الانطواء» و«الانبساط» من المصطلحات المقبولة اليوم في علم النفس، ولا داعي للخوض فيهما، ولكننا يجب أن نُشير عَرضًا إلى ما ترجمناه بالخصائص، والأصل هو «الصفات المميزة»؛ فعلماء الكيمياء والفيزياء يستخدمون properties في الإشارة إلى خصائص الأشياء؛ أي إلى صفاتها المميزة لها. ولكن هذه الكلمة لا تُستخدم في الإشارة إلى البشر إلا بمعنى الممتلكات، ويُفرِّق أهل القانون بين العقار real property وبين المنقولات personal property (movable belongings)؛ ولذلك فنحن نُترجم «الخصائص» إلى الإنجليزية وفقًا للسياق، وخصائص ابن جني هو كتابٌ في اللغة، وعنوانه أقرب إلى العبارة الإنجليزية Linguistic Distinctions لا أي كلمة من الكلمات السابقة. وأمَّا ترجمة type بكلمة نمط فهي ترجمة اصطلاحية؛ لأن جميع أضراب الشخصية تنتمي لنوعٍ species واحد هو الجنس البشري homo sapiens أو mankind، وقد يُفضِّل بعض المحدثين ترجمة type في هذا السياق بكلمة نموذج، ولكنني أُحب أن أقصر استعمال هذه الكلمة على model أو paragon بسبب إيحاءاتها الطيبة عندما نشتق منها الصفة نموذجي، وهو ممَّا لا توحي به type المحايدة. |
|
# مدينة الماضي
وقفت بي الحياة على سفح جبل الشباب وأومأت إلى الوراء، فنظرت فإذا بمدينة غربية الشكل والرسوم متربعة في صدر سهول تتموج فيها الخيالات والأبخرة المتلونة متوشحة بقناع ضباب لطيف يكاد يحجبها.
قلت: «ما هذه أيتها الحياة؟» قالت: «هي مدينة الماضي فتأمل؟» فتأملت ورأيت، معاهد أعمال جالسة كالجبابرة تحت أجنحة النوم، مساجد أقوال تحوم حولها صارخة صراخ القنوط، مترنمة ترنيمة الأمل. هياكل أديان أقامها اليقين ثم هدمها الشك، مآذن أفكار مرتفعة نحو العلو كأنها أيدي المتسولين، شوارع أميال منبسطة انبساط النهر بين الرُّبى، مخازن أسرار حرسها الكتمان فسرقتها لصوص الاستعلام، أبراج أقدام بَنَتْهَا الشجاعة فثلتها المخاوف، صروح أحلام زيَّنتها الليالي وخربتها اليقظة، أكواخ صغار سكنها الضعف، وجوامع وحدة قام فيها نكران الذات، نوادي معارف أنارها العقل فأظلمها الجهل، حانات محبة سكر بها العشاق فاستهزأ بهم الخلو، مراسح أعمار مثَّلَت عليها الحياة روايتها ثم جاء الموت وختم مأساته.
تلك مدينة الماضي في بعيدة قريبة، منظورة محجوبة.
ومشت أمامي الحياة وقالت: «اتبعني فقد طال بنا الوقوف» قلت: «إلى أين أيتها الحياة؟» قالت: «إلى مدينة المستقبل». قلت: «رفقًا فقد أنهكني المسير وكَلَمَتْ أقدامي الصخورُ وهدَّت قواي العقبات» قالت: «سر! الوقوف جبانة، والنظر إلى مدينة الماضي جهالة». |
|
كنت في مبدأ أمري منكرًا لأحوال الصالحين ومقامات العارفين، حتى صحبت شيخي يوسف النساج، فلم يزل يصقلني بالمجاهدة حتى حظيت بالواردات، فرأيت الله تعالى في المنام، فقال لي: يا أبا حامد. فقلت: أو الشيطان يكلمني؟ قال لا، بل أنا الله المحيط بجهاتك الست. ثم قال: يا أبا حامد، زر مساطرك، واصحب أقوامًا جعلتهم في أرضي محل نظري، وهم الذين باعوا الدارين بحبي. قلت: بعزتك إلا أذقتني برد حسن الظن بهم؟ قال: قد فعلت، والقاطع بينك وبينهم تشاغلك بحب الدنيا، فاخرج منها مختارًا قبل أن تخرج منها صاغرًا، فقد أفَضْتُ عليك أنوارًا من جوار قدسي. فاستيقظت فرحًا مسرورًا، وجئت إلى شيخي يوسف النساج، فقصصت عليه المنام، فتبسم وقال: يا أبا حامد، هذه ألواحنا في البداية، بل إن صحبتني ستكحل بصيرتك بإثمد التأييد، حتى ترى العرش ومَن حوله، ثم لا ترضى بذلك حتى تشاهد ما لا تدركه الأبصار، فتصفو من الأكدار طبيعتُك، وترقى على طور عقلك، وتسمع الخطاب من الله تعالى كموسى: إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. |
|
وكان فكره مطمئنًّا من أمر جهان، فلم يكن يداخله شيء من الريب أنها ترفض شرف اسمه ومحتده، ومجد صيته ومقامه، ولم يرَ لها في الرفض سببًا واحدًا من الأسباب، أو عذرًا واحدًا من الأعذار، وقد فاتحها بالأمر مرات، فكانت تارة تظل ساكتة، وطورًا تعرب له عن نصف الحقيقة فقط، أو أنها تحوله عن الحديث في هذا الشأن فتستزيده من معالجة الشئون العامة، فاستنتج الجنرال من هذه المداعبة أنها كسائر النساء لا تجسر أن تبوح بما يكنه قلبها؛ ناهيك بجهان من امراة غريبة عنه جنسًا ودينًا، على أنه كان متيقنًا أنها راضية ضمنًا، ولا بد أن تقبل الشرف الذي سيخلعه عليها، فلا يبقى حينئذ إلا أن يعلن الأمر إلى أبيها، ويدعو شيخ الإسلام ليعقد عليهما وفقًا للأصول الإسلامية، ولم يكن هذا التعطف بل هذا التساهل من الجنرال حبًّا بعروسه التركية فقط، بل إكرامًا لشعبها أيضًا، فإن في عمله هذا ضربًا من السياسة والدهاء، يقرب في مثل هذا الوقت الأتراك من الألمان، ويوثق بينهما عرى الوداد والولاء. |
|
ولمَّا يئس الرسول منهم وعرف أن إيمان من آمن من بينهم إن هو إلا كذب ونفاق، دعا الله سبحانه أن يكشف أمرهم ويبيِّن للناس سوء حالهم، فاستجاب له ونزلت آيات: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ * وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (سورة البقرة: آية ٧٥–٨٠). ولما رأى اليهود موقف النبي منهم أخذوا يحاجُّونه ويحاولون إثارة الشبه في قلوب المسلمين، ويزعمون أنهم وحدهم على الحق، وأن الجنة لهم وحدهم، وأن اليهودية هي دين الله الذي أوحاه إلى أبيهم إبراهيم — عليه السلام — وأن الأنبياء هم من بني إسرائيل وحدهم و… وقد فند القرآن الكريم كل هذه الأقوال الباطلة، وأبان أن اليهود قد ضلوا عن دين إبراهيم حين قالوا إن عزيرًا هو ابن الله سبحانه، وحين حرَّفوا الكتاب المقدس، وضلوا عما كان عليه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط. والحق أن إبراهيم — عليه السلام — ما كان يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين، وأن النبوة فضلٌ من الله سبحانه يمنحها من يشاء من عباده، ويخص بفضله من يشاء، وأنهم يعرفون ذلك كله، ولكنهم يكتمونه، وأن مَثَلهم في ذلك كمثل الحمار الذي لا ينتفع بما يحمل من أسفار العلم والهدى … فلما سمع اليهود تلك الأقوال طاش صوابهم، وضلَّت أحلامهم، وأخذوا يهاجمون النبي وشخصه، ويسخرون منه ومن صحابته أشد السخرية، وقوي الخصام بين الجانبين، وفي القرآن آيات كثيرة تبيِّن لنا ذلك وتردُّ على بني إسرائيل أقطع رد. |
|
وأَلَحَّت العلة على صاحبي، وأَثْقَلَتْه في فراشه، فلم يَرَ صَاحِبَتَه بعدها أبدًا، وكُنْتُ أعوده في كل يوم، فلما تراءت له المنية قال لي ذاتَ يوم؛ أنت أصدقُ أصدقائي وأَحْفَظُهُمْ لعهدي، وأَكْتَمُهُمْ لِسِرِّي، فهل لك في يَدٍ تُسْدِيها إلي؟ فقلت له: فَدَتْكَ نفسي فَمُرْ، وأنا لك فيما دون الدِّين والعِرض طائع، قال: فإني حين علقت فلانة وصَدَّنِي الحياء عن مكاشفتها بهواي كُنْتُ أَفِيضُ بمذكرات أَصِفُ فيها بعض ما أَجِدُ لها من الصبابة، فهل لك أن تَحْفَظَهَا عندك ولا تنشرها للناس — إنْ نَشَرْتَهَا — إلا بعد أن ينطوي خبري وخبرها، ويمحى أثري وأثرها؛ فما أُحِبُّ أن يَعْرِفَ على الزمان غَيْرُكَ من أنا ومن هي، فلنا من حكم العادة ومن حكم بيوتنا ما يكفنا عن هذا، فعاهَدْتُهُ على ذلك، فَمَدَّ المسكين يده الريقية الناحلة، واستخرج من تحت الوسادة رِزْمَةً دفع بها إلي، بعد أن كرر الوصيةَ تكرير الواثق لا المستريب. |
|
إذن وداعًا للقليل مما تضمرانه من كل خير! ٣٥٠
وداعٌ؟ بل وداعٌ دائم للمجد والعظمة!
فذاك حال كل إنسانٍ هنا في يومه!
قد ينشر الأوراق من آماله الغضة،
ويشهد البراعم الحسناء في غده،
ويحمل الورود القانيات الوافرات في مدارج الشرف،
لكنه يرى الصقيع القاتل الثقيل قادمًا في ثالث الأيام، ٣٥٥
وعندما يظن وهو ناعم في الخير والهناء،
أن الثمار أوشكت على النضوج، وأن مجده لا شك قد أتي،
يرى الصقيع ناخرًا جذورها،
والجذع قد هوى كما أهوي أنا!
لقد نزلتُ سابحًا في بحر مجدٍ صاخب، ٣٦٠
مثل الصغار السابحين يُمسِكون بالقرب.
وكنتُ كلَّ صيفٍ أضرب الأمواج حتى اجتزتُ منطقة الأمان.
وبعدها شَهِدتُ كبريائي مثل قرية الصغار تنفجر،
ورحتُ أهوي منهكًا محطَّمًا من طول ما جهدت،
وتحت رحمة البحر العنيف إذ سيطويني إلى الأبد!
يا ريف مجد العالم الخاوي وزيف الأبهة! ٣٦٥
لشد ما أُبغضكا! إني لأشعر أن قلبي يتفتَّح.
ما أتعس الذي يعيش عالةً على رضى الأُمراء ما أفقرَهُ!
فبين بسمةٍ نُحاول اقتناصها وبسمة الرضى على المُحيَّا،
وبين وَهْدةِ السقوط والهلاك ألوانٌ من الألم،
وهُوَّةٌ من المخاوف التي تزيد عن هول الحروب أو مخاوف النساء. ٣٧٠
فإنه عند السقوط مُبلِسٌ كأنه إبليسُ قد ضاع الرجاء منه للأبد! |
|
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. |
|
وهذا ينقلنا إلى الموضوع الرئيسي لهذا الفصل، وهو المجردات؛ لقد ألمحتُ في الفصل الرابع إلى أن المعارف ناسخات مجردة تستخدم الكائنات الحية والعقول (ومن ثَمَّ تؤثر عليها) لنسخ نفسها. وهذا مستوًى تفسيريٌّ أعلى من المستويات المنبثقة التي ذكرتُها حتى الآن؛ فهو زعم بأن شيئًا مجردًا — أيْ غير مادي — مثل المعرفة الكامنة في جينٍ أو نظريةٍ يؤثِّر على شيءٍ مادي. لا يحدث على المستوى المادي في هذه الحالة سوى أنَّ مجموعة من الكيانات المنبثقة — مثل أجهزة الكمبيوتر أو الجينات — تؤثِّر على مجموعاتٍ غيرها، وهو أمر تنكره الاختزاليةُ بالفعل، لكن التجريد ضروري للوصول إلى تفسيرٍ أعمق. أنت تعلم بالطبع أنه إذا هزمك الكمبيوتر في مباراة شطرنج، فإن مَن هزمك في الحقيقة هو البرنامج، وليست ذرات السليكون أو الجهاز نفسه. يتجسَّد البرنامجُ المجرد ماديًّا في هيئة سلوكٍ عالي المستوى لعددٍ شاسعٍ من الذرات، لكنَّ «تفسيرَ» سببِ انتصاره عليك لا يمكن التعبير عنه دون الإشارة إلى البرنامج في حد ذاته. ولقد تجسَّدَ البرنامج أيضًا دون أن يتغيَّر في سلسلةٍ طويلةٍ من الركائز المادية المختلفة، مثل الخلايا العصبية في عقول المبرمجين وفي الموجات اللاسلكية أثناء تحميلك له عبر شبكةٍ لا سلكية، وأخيرًا في صورة بنوك ذاكرة طويلة وقصيرة المدى في الكمبيوتر. قد تكون تفاصيلُ تلك السلسلةِ من التجسيدات ذاتَ صلةٍ بتفسير كيفية وصول البرنامج إليك، لكنها لا تفسِّر سببَ هزيمتك أمامه؛ فذاك أمر يفسِّره محتوى المعرفة (الكامنة فيه وفيك). يشير ذلك التفسير حتمًا إلى المجردات؛ وعليه فهي موجودة وتؤثِّر على الأشياء المادية على النحو الذي يتطلَّبه التفسيرُ. |
|
أحد الأسباب التي تجعل الدراسات التاريخية الأولى لأدب الأطفال عادةً ما تبدأ في القرن السابع عشر، هو أنه بحلول ذلك الوقت كانت المواد المخصصة للأطفال قد صارت تُطبَع بهدف التوزيع العام بدلًا من أن تُكتَب بخط اليد من أجل الاستخدام الخاص، أو تُستخلَص من الكتابات المخصصة للكبار؛ وهذا رسخ هذه الكتابات كجزء من ثقافة الطباعة، وغالبًا ما مثَّل الاهتمامُ بتاريخ المواد المطبوعة نقطة انطلاقة للدراسات التاريخية المبكرة لكتب الأطفال. ونظرًا لأن المواد التي كانت تؤلَّف للأطفال كانت قليلة نسبيًّا — كما رأينا في حالة كومينيوس وجانواي — فقد بقيت الأعمال الشهيرة تُطبَع لفترات طويلة، وغالبًا في مجموعة متنوعة من الصيغ المزينة بالرسوم، وكثيرًا ما كانت تظهر في مجموعات الكتب والمذكرات. فعلى سبيل المثال، يتذكر تشارلز لامب — الذي وُلد في عام ١٧٧٥ — أنه كان يحب «كتابًا عظيمًا عن الشهداء»، هو («كتاب فوكس عن الشهداء» الذي نُشر للمرة الأولى عام ١٥٥٤، وتُرجِم للإنجليزية في عام ١٥٦٣). إن التاريخ الطويل والمتنوع لهذه الأعمال يجعلها دراسات حالة مثيرة للاهتمام من أكثر من منظور؛ فمن الممكن استخدامها لاستكشاف تقنيات الطباعة والتسويق، والأفكار المتغيرة عن الطفولة والتعليم، والجدال السائد بخصوص الدين والسياسة والنوع والعلم وتجربة الحياة اليومية، وغير ذلك الكثير من الموضوعات. ومع ازدياد الاهتمام بالدراسات التاريخية عن الطفولة والكتب وأدب الأطفال، صارت هناك مواد جديدة تُدرس؛ لأنه أصبح من الواضح أن الكتابة للأطفال قد بدأت قبل جيمس جانواي ومعاصريه بوقت طويل. |
|
إن شحوبَ وجه مونا الشديد، وبروزَ عظامها التي لم ينجح ثوبها الفضي في إخفائه؛ ربما كانا من علامات مرضها. لقد أعلنَتِ الجريدة المحلية عن موتها في ذلك الربيع مع ذِكْرٍ للحفل الموسيقي الذي قدَّمَتْه في مبنى البلدية. أعادت جريدة تورونتو نشر النعي الخاص بها بجانب لمحةٍ عن مسار حياتها بَدَتْ ملائمةً لتعزيز مكانتها، إنْ لم تكن جيدةً جدًّا. وعبَّرَ العم جاسبر عن دهشته، لكن ليس حيال موتها، إنما لأنها كانت ستُدفَن في تورونتو. ستقام مراسم الجنازة والدفن في كنيسة هوزاناس التي تقع على بُعْد أميالٍ قليلة من شمال بلدته؛ أيْ في الريف. لقد كانت كنيسةَ العائلة عندما كان العم جاسبر ومونا/مود صغيرَيْن، وكانت كنيسة أنجليكانية. كان العم جاسبر والخالة دون من رعايا الكنيسة المتحدة آنئذٍ، كما كان يفعل معظم الموسرين في البلدة حينها، وكان رعايا تلك الكنيسة متشدِّدين في معتقداتهم، لكنهم لم يعتقدوا أنه ينبغي عليهم أن يذهبوا للكنيسة كلَّ أحدٍ، وكانوا لا يرون أن الرب يغضب من تناوُل أحدهم كأسًا من الخمر بين الحين والآخَر. (كانت برنيس، الخادمة، تذهب إلى كنيسةٍ أخرى وتعزف على آلة الأرغن هناك، وكانت رعايا تلك الكنيسة صغار العدد وغريبي الأطوار؛ فقد كانوا يتركون منشورات عند أبواب المنازل في البلدة، وكانت تضم قوائمَ بأسماء الأشخاص الذين سيذهبون إلى الجحيم، الذين لم يكونوا من الأشخاص العاديين، إنما من الأشخاص المعروفين مثل رئيس الوزراء بيير ترودو.) |
|
والآن أية حقائق توحي بها إلينا هذه السُّنة الرائعة، سُنة تعاقُبِ الطرز الواحدة في باحة بعينها؟ وإنه لمن أكثر الناس جرأة، ذاك الذي يحاول، بعد أن يقابل بين مناخ أستراليا وأجزاء من أمريكا الجنوبية واقعة على خطوط عرض واحدة، أن يعلل مُستنِدًا إلى اختلاف الظروف الطبيعية من ناحية السبب في تباين أهليات القارتين، أو يعلل مستندًا إلى تشابه الظروف الطبيعية من ناحية أخرى، السبب في تشابه الطرز في كلتيهما في خصر العصر الثالث٨٣ المتأخر. كذلك لا يمكن أن يدَّعي أحد أن من السُّنن الثابتة أن يقتصر تولُّد «الجلبانيات» (ذوات الكيس) جميعها أو أكثرها وأهمها في أستراليا دون غيرها، أو أن «الدرداوات»٨٤ وغيرها من الطرز الأمريكية قد اقتصر نشوءُها على أمريكا الجنوبية، ذلك بأننا نعلم أن أوروبا في الأعصر القديمة قد أهلت بكثير من الكيسيات. ولقد ذكرت في كثير مما نشرت قبلًا أن سُنة توزع الثدييات الأرضية في أمريكا كانت تختلف قديمًا عنها الآن، فإن أمريكا الشمالية كان لها نصيب من الشركة كبير في حالات النصف الجنوبي من القارة، وأن النصف الجنوبي كان أوثق صلة بالنصف الشمالي، وبصورة مشابهة لهذه نعرف من كشوف «فالكونار» و«كوتلي» أن ثدييات شمالي الهند كانت من قبل أوثق صلة بثدييات أفريقيا مما هي الآن. وهنالك حقائق مثل هذه فيما يتعلق باستيطان الحيوانات البحرية. |
|
وسنَعقِد في فُصول هذا الكِتاب مُقارَنة سريعة بين العربية واللُّغات الحيَّة الأخرى؛ لنتبيَّن صِدق هذه الحقيقة، وسنشعُر من هذه المُقارَنة بين العربية بقواعِدِها الجامِدة مع اللُّغات الأخرى التي تَستخدِمها الشُّعوب المُتقدِّمة، أنَّنا كمن يَمتطي جِمالًا بالطريق السريع، في الوقت الذي يركَبُ فيه غيرُنا سياراتٍ تَنقِلُهم بأقصى سُرعةٍ إلى ساحات التقدُّم. فتحصيل العِلم من أجل تطبيقه لنَفع الإنسان أصبح الشُّغُل الشاغِل للمُجتمَعات المُتحضِّرة. لم يَعُد هناك فَراغ يجعَل الناس تَستلذُّ صعوبة القواعد وتعقيد الكلِمات كما هو الحال عندنا، حيث يَنتشي البعض وتنتفِخ أوْداجُهم سرورًا عندما يُصحِّحون خطأً لُغويًّا، ويَتلُون قاعِدةً مُتقعِّرة، لا قيمة لها إلَّا أنَّها من وَضع النُّحاة الأقدَمين. |
|
كان لدى المريخيين ما بدا أنه عضو سمعي — طبلة مستديرة وحيدة في مؤخرة الجسد الذي يتخذ شكل الرأس — وعيون ذات مدى بصري لا يختلف كثيرًا عن مدانا البصري، فيما عدا أن الأزرق والبنفسجي كانا يبدوان لهما كاللون الأسود. شاع بين الناس أن المريخيين يتواصلون عن طريق الأصوات والإيماء بالمجسات، وهو ما جرى التأكيد عليه على سبيل المثال في الكتيِّب الجيد الذي قد جُمع في عجالة (من الواضح أن من كتبه لم يكن شاهد عيان على أفعال المريخيين) والذي أشرت إليه من قبل، وهو — حتى الآن — المصدر الرئيسي للمعلومات المتعلقة بهم. لم ير أحد من البشر الأحياء قدر ما رأيت من تحركات المريخيين. لا أدعي لنفسي شرفًا لمجرد حادث وقع لي، لكنها الحقيقة. وأؤكد أني شاهدتهم عن كثب مرارًا وتكرارًا، وأني رأيت أربعة وخمسة و(ذات مرة) ستة منهم يتحركون بخطى متثاقلة وهم يؤدون أكثر العمليات تعقيدًا بعضهم مع بعض دون أن يصدر عنهم صوت أو إيماءة. كان نعابهم المميز يسبق دومًا حصولهم على الغذاء؛ لم يكن ثمة تغير في طبقات هذا الصوت، وأظن أنه لم يكن إشارة على الإطلاق، بل مجرد زفر للهواء تمهيدًا لعملية المصّ. لديَّ معرفة أولية بعلم النفس، وفي هذا الشأن لدي قناعة — قاطعة كقناعتي بأي شيء آخر — أن المريخيين كانوا يتبادلون الأفكار دون أي وسيط مادي. تكونت لدي تلك القناعة بالرغم من الأفكار الراسخة المبلورة مسبقًا. قبل غزو المريخيين — مثلما قد يتذكر قارئ عابر هنا أو هناك — كنت قد كتبت نقدًا حادًّا بعض الشيء لنظرية توارد الخواطر. |
|
ثم إن الملك عمل عرسًا عظيمًا للسيدة شمسة مرةً ثانية، وأمر بزينة المدينة، وجلاها على جانشاه بالحلي والحلل الفاخرة، ودخل جانشاه عليها وأعطاها مائة جارية من السراري الحسان لخدمتها. ثم بعد ذلك بأيام توجَّهَتِ السيدة شمسة إلى الملك طيغموس، وتشفَّعَتْ عنده في الملك كفيد، وقالت له: أطلِقْه ليرجع إلى بلاده، وإن حصل منه شرٌّ أمرتُ أحدَ الأعوان أن يخطفه، ويأتيك به. فقال لها: سمعًا وطاعة. ثم أرسل إلى شموال أن يحضر إليه بالملك كفيد، فأتى به في السلاسل والأغلال، فلما قدم عليه وقبَّلَ الأرض بين يدَيْه، أمر الملك أن يحلُّوه من تلك الأغلال، فحلُّوه منها؛ ثم أركبه على فرس عرجاء، وقال له: إن الملكة شمسة قد تشفَّعَتْ فيك، فاذهب إلى بلادك، وإنْ عدتَ لما كنتَ عليه، فإنها ترسل إليك عونًا من الأعوان فيأتي بك. فسار الملك كفيد إلى بلاده وهو في أسوأ حال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح. |
|
وأخَذَت الريح تهدأ، ويخف الاكفهرار مؤذِنًا بالمطر، وساد صحوٌ رماديٌّ، ومن خلال السُّحُب أخذ يقطر رذاذ دقيق نافذ، فأعدْتُ لبس قلنسوتي، وفجأةً أخذ الدم يَحْرِق من جديد جدار جمجمتي، وأمَّا الحصان فقد أخذ يلهث منهكًا وقد أضنته الرياح، فأخذت أستحِثُّه بكعبي وألسعه بالسوط، فخفَّ إلى الأمام بضع خطوات سريعة، ثمَّ استعصى ووقف تمامًا، وكأنَّه قد اصطدم بحاجز غير متوقَّع، ونظرت فلمحت فعلًا على بِضْع خطوات أمام الحصان شبحًا يقفز ويثب … أهو حيوان؟! ولكنَّه أي حيوان؟ حيوان وحشي؟ … ربَّما! لكن لا … إنَّه بالغ الصِّغر … وأمسكت بمسدَّسي وسمعت عندئذٍ — في وضوح — مأمأة معزاة صغيرة، ودفعت الحصان قدر استطاعتي، ولكنه استدار ليعود واستعصى ورَفَضَ المسير، فالمعزاة لا تزال هناك، وحملت الحصان على العودة، ولَسَعْتُ جانبيه بالسوط وشددتُ على المقود، فتقدَّم بضع خطوات، ولكن المعزاة لا تزال هناك! وكانت السحب قد تبدَّدت تمامًا تقريبًا، فأصبحْتُ أرى في وضوح، وإذا بها معزاة صغيرة سوداء، تغدو وتروح وتضرب الأرض بحوافرها، ثمَّ تنتصب فوق رجليها الخلفيَّتَين، وتقفز إلى الأمام وذقنها ملتصقًا بصدرها، وجبهتها مرتفعة في هيئة الاستعداد للنِّطاح، وأخذت تقفز قفزات عجيبة وتثغو وتأتي بأغرب الحركات، فنزلت على الحصان الذي رَفَضَ أن يستمرَّ في السير، وأمسكْت بالمقوَد بالقرب من رأسه، وانحنيت قائلًا: «بسي! بسي!» وبحركة من يدي دعوت المعزاة، وكأنَّني أُقدِّم لها شيئًا من الرَدَّة، فاقتربت المعزاة دون أن تتوقَّف عن الوثب، فاستعصى الحصان مفزَعًا وشدَّ المقود لكي يتخلَّص من قبضة يدي، وسقطْتُ على ركبتي ولكنِّي لم أُفْلِت المقود من يدي، واقتربت المعزاة من يدي فإذا بها جَدْيٌ أسود لطيف جدًّا استطعت بسهولة أن أحمله؛ لأنَّه أليف، ووضعته في الناحية اليمنى من الخرج فوق بعض الثياب، وعندئذٍ أخذ الحصان يهتزُّ وترتعش جميع أوصاله، وكأنَّما أخذته حمَّى الموت، وامتطيته فاندفع أمامه ذاهلًا. |
|
#### (١٣-٦١) عاداتهم في الجنازة
وعادتهم في الجنازة أن يبقوا الميت أسبوعًا في البيت قبل دفنه، وعند إخراج جنازته يشيعها رجال يلبسون على رءوسهم مناديل سوداء معقودة فوق برانيطهم، ولكل ميت حداد معلوم، ولكل دفنة سعر، ولكن لا يخمشون عليه وجهًا ولا يشعثون شعرًا، وإذا أبقيت الجنازة في محل عند المقبرة ليلة واحدة أُدي عليها خمسة شلينات زيادة على الرسم المعتاد، فقلت لمن طلب مني ذلك: إن الحي يرقد على فراش وثير ليلة ويوسخه، ولا يؤدي أكثر من شلين واحد، فكيف تطلب على طفل في تابوته خمسة؟ فقال: «إن بين الحي والميت فرقًا.»
أما الكبراء فإنهم يبقون جنازتهم أكثر من أسبوعين إشارة إلى أنه غير جدير بأن يفارق هذه الدنيا، ومن الغريب أنه إذا مات أحد منهم غريبًا فلا بد من أن يعيدوه إلى وطنه ليدفن فيه، فيا ليت شعري ما نفع الميت لبلاده، أو ما نفع بلاده له؟! ولا يدفن ميت إلا بشهادة الطبيب الذي عالجه أو أجهز عليه، وذلك لكثرة ما يقع عندهم من القتل بالسم.
والواقع أن الفرنسيس أكثر احترامًا للجنازات من الإنكليز؛ فإنهم يمشون وراءها أيًّا كانت وهم خاشعون حاسرو الرءوس، وحين تكون في البيت يوقدون حولها الشموع ليلًا ويجعلون لها حارسًا. |
|
ونجد مناقشةً أكثر استفاضةً لهذه الفكرة في فقرتين لافتتين في كتاب جالينوس «عن قوى الأطعمة». تقوم منظومة جالينوس على أن لكل فرد بنيةً مختلفةً؛ ولكنه تمكَّنَ فعليًّا من إصدار بعض الأحكام العامة عن النظام الغذائي للريفيين، ولا بد من مقارنة هذه الأحكام العامة باللمحة العامة التي تتناول النظام الغذائي البشري الذي نناقشه في الفصل الثامن. أولًا: مخاطر أكل الجبن مع الخبز:
إذا أضاف المرء الجبن أيضًا إلى الخبز — إذ عادةً ما يُحضِّره المحتفلون من مواطنينا الريفيين (والذي يسمونه هم أنفسهم الخبزَ غير المُختمِر) — يؤدِّي ذلك إلى إلحاق ضررٍ محقَّق بالجميع، حتى إذا كان بعضهم يتسم ببنية قوية للغاية، مثل مَن هم بطبيعتهم أفضل الحصادين وحافري الخنادق؛ فمن الملاحظ أن هؤلاء يهضمون أنواع الخبز غير المُختمِر على نحوٍ أفضل من أقوى الرياضيين (كما يهضمون اللحم البقري ولحم ذكور الماعز). فما ضرورة ذِكْر الغنم والعنزات أيضًا؟ في الإسكندرية، يأكلون لحم الحمير كذلك، وبعضهم أيضًا يأكل الجِمَال. تؤثِّر عاداتهم في عملية الهضم لديهم، ومن العوامل التي لا تقل أهميةً عن ذلك كميةُ الطعام القليلة التي تُؤكَل، وحالةُ نفادِ الطاقة من الجسم بأكمله التي تلازِم بالضرورة مَن يكدحون طوال اليوم في مزاولة أنشطتهم. ففي حالة نفاد الطاقة من الجسم، لا تخرج من المعدة كتلةُ أطعمة نصف مهضومة فحسب، بل أيضًا — في حالة البدء في العمل بعد تناول الطعام — تخرج أحيانًا كتلةُ طعامٍ غير مهضومة على الإطلاق تُسمَّى الكيموس؛ وهذا هو السبب في أن هؤلاء يتعرَّضون فيما بعدُ لأسقامٍ وخيمة للغاية ويموتون قبل أن يبلغوا الشيخوخة. ومعظمُ الناس الذين يرونهم يأكلون ويهضمون ما لا يستطيع أحدٌ منَّا أن يأكله ويهضمه؛ يهنِّئونهم على قوةِ أجسامهم، جهلًا منهم بهذه المعلومة. علاوةً على ذلك، لما كان مَن يبذلون مجهودًا شاقًّا للغاية ينامون نومًا عميقًا للغاية — وهذا يساعدهم على الهضم بدرجة أكبر — فهُمْ يصبحون أقلَّ عرضةً للإصابة بالضرر بفعل الأطعمة الضارة. ولكن إذا أجبرْتَهم على البقاء مستيقظين لأكثر من ليلةٍ على التوالي، فإنهم سرعان ما سيمرضون؛ لذا، فإن هؤلاء لا يحصلون إلا على هذه الميزة الواحدة من هضم الأطعمة الضارة. (جالينوس ١، ٢، ترجمه إلى الإنجليزية: باول) |
|
عرَّفتْنِي بك يا «طوسُ» النجومْ
مثلما أعْلَمْتَنِي هذا القدومْ
إنما أنت قضاءٌ واقعٌ
قَصُرَتْ عنْ ردِّه منِّي العُلُومْ
هذه الأفلاك سَعْدًا جَرْيُها
لك مقْضِيًّا لدَيْها ما تَرُومْ
فَلَكَ البحرُ سلامًا تحتها
ولك البلدان تُطوَى والتُّخُومْ
ولك الغابات دَانتْ كلها
وعليك البَبَّغَا حطَّ يَحومْ
فابْلُغِ القَصْدَ وما تسعى له
واحمل العذراء في الفُلْك المَشُومْ
ليس في مسعاك من بأْسٍ سوى
أن ما تسعى إليه لن يدوم |
|
وَلَمَّا جَاءَ الرَّبِيعُ التَّالِي، اسْتَيْقَظَتْ بَذْرَةُ الْبَلُّوطِ مِنْ سُبَاتِهَا (مِنْ نَوْمِهَا الْعَمِيقِ). فَأَحَسَّتْ جُوعًا شَدِيدًا، وَاشْتَهَتْ نَفْسُهَا الطَّعَامَ. فَلَمْ يُلَبِّ طَلَبَهَا أَحَدٌ … وَمَنْ لَهَا بِأُمِّهَا الَّتِي تُعْنَى (تَهْتَمُّ) بِهَا، وَتُلَبِّي رَغَبَاتِهَا؟ |
|
وكثيرًا ما كان المسلمون يعرضون على النبي بعض أمرهم، فيقول لهم أحيانًا: ما عندي في هذا شيء. ثم لا يلبث أن يدعو من عرضوا عليه الأمر فينبئهم بحكم الله فيه. وأحيانًا يُظهر الإعراض عن سائليه بأنه لم يأتِهِ علم من الله بما سألوه عنه، ثم ينزل القرآن فيقضي فيهم بحكم الله، كما كان من أمر ذلك الرجل الذي زعم لرجل من أصحاب النبي أنه وجد عند أهله غيرَه ولم يدرِ ماذا يصنع، وأشفق أن يقتُله فيُقتل به. فكلف صاحبه ذاك أن يسأل النبي في أمره، وذهب صاحبه فسأل النبي، فأعرض عنه وأظهر الكراهة للسؤال. وقص الرجل على صاحبه ما رأى من كراهية النبي للمسألة فأبى الرجل إلا أن يسأل النبي ففعل، وأجابه النبي بأن الله قد أنزل فيه وفي صاحبته قرآنًا، وأمره أن يدعو صاحبته، فأنفذ فيهما ما قضى الله بالآية الكريمة من سورة النور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. |
|
نوَّه الفصلُ الأول عن التأثير المُهم لقصص الخيال العلمي المبكرة، وخاصةً تلك التي كتبَها جول فيرن وإتش جي ويلز، على مخيلات روَّاد نظرية السفر إلى الفضاء. وقد ظهر هذا الجنس الأدبي في القرن التاسع عشر في البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية بسبب تأثير التكنولوجيا إلى حدٍّ كبير. فإذا كان البشَر قد استطاعوا القيام بكذا، فما الذي لا يُمكننا فِعله؟ وألهمَ إطلاق المناطيد الذي بدأ في فرنسا عام ١٧٨٣ بالعديد من الحكايات حول القيام برحلةٍ ناجحة إلى القمر خلال القرن التالي، قبل أن يُثبِت علم الفلك والصعود إلى الستراتوسفير أنَّ الغلاف الجوي له حدود — على الرغم من أنَّ الفهم الشعبي لتلك الحقيقة قد تأخَّر عقودًا عن العِلم. اقترح فيرن، مدركًا لهذه الحقائق، مدفعًا بدلًا من المنطاد، على الرغم من أنه فشل في فهم أنَّ التسارُع اللحظي سيُهلِك رُكَّابه الخياليِّين. واستخدم ويلز في روايته «أول رجالٍ على سطح القمر» (١٩٠١) وكيرد لاسفيتس في روايته الألمانية المهمَّة التي تناولت رحلات الفضاء «كَوْكَبَان» (١٨٩٧) مواد غامضة لمقاومة الجاذبية، وهي وسيلة مُفضَّلة في خيال المؤلِّفين المُبكرين. وهكذا، فإنَّ السفر إلى الفضاء قد دخل في وعي الجزء المُتقدِّم من العالَم الذي يُهيمِن عليه البيض على الأقل، حتى لو بدَت الرحلات الفعلية مُستحيلةً أو بعيدة جدًّا.2 |
|
الحياة، كما يقول ستيفنسون، تضمُّ قوًى جبَّارة، «فلا نُطيقُ رفع أنظارنا إلى شمسها، وتستنفد آلامها وأمراضها قوانا، وتذبحُنا» (ص١٨١)، لكن الفن مختلف.١٣ إنه مجَرَّدٌ مثل الرياضيات؛ فالخطوط المستقيمة والدوائر غير موجودة في العالم المادي، أما وقد اختُرعت، فلا نستطيع الاستغناء عنها، إنها توجد في عوالم النماذج، لكن لا غنى عنها في الأنشطة العملية للهندسة؛ حيث تُصمَّم الجسور وتبنَى السيارات. لا شك أن الطرق المستقيمة والعجلات التي استُخدمت فيما ينفع الناس اختُرعت قبل الخطوط المستقيمة والدوائر، والغرض من الخطوط والدوائر في الرياضيات هو أن تُتيح لنا استيعاب الخصائص الأعمق، ومفهوم الاستقامة والطريقة التي تستمد العجلات منها كينونتها من الاستدارة، وتسمح بالحسابات الضرورية في تصميم التقنيات. بالمثل، كان الناس جميعًا، وربما على مدار ملايين السنين، يستطيعون فهم جوانب معيَّنة في سلوك الناس الآخرين، كانوا يرون أن تصرفات الأفراد كانت تنبع أحيانًا من اتِّساقهم الذاتي، ولكن يبدو، في أحيان أخرى، أن عوامل خارجية تؤثر فيهم عندما يُولَعون بشخص أو يجتاحهم الغضب. نتحدث الآن عن الشخصية والعاطفة. وأعمَقُ تطوُّرات أفكارنا عن الشخصية والعاطفة — الأفكار المجردة — تحدُث في القصص الخيالية، أو بمعنى أدق تُصوَّر الأفكار في القصص الخيالية بحيث يمكننا تطويرها في أنفسها وفي حيواتنا. |
|
ولسنا نود أن نطيل في وصف مظاهر استغلال هذا الانقلاب الموسيقي استغلالًا سيئًا، وإنما يكفينا أن نشير إلى ما شاع في الموسيقى الحديثة من العودة إلى الإيقاعات البدائية وإلى سيادة آلات الدق والطبول على حساب بقية الآلات، إلى ما عمد إليه الأمريكيون من الإفراط في الغرابة والشذوذ، كأن يؤلفوا «كنشرتو» للآلة الكاتبة مع الأوركسترا، وقطعًا موسيقية تُطلَق في وسطها طلقات نارية، أو تأليف قطع راقصة آلية، تؤديها الآلات الحالية عن طريق الكهرباء لا عن طريق العزف الإنساني عليها. ونحن هنا لا نرمي إلى الحط من قدْر الموسيقى البدائية لذاتها، بل نكتفي بالإشارة إلى أنها وُضعت في مجتمع معيَّن لأجل ذلك المجتمع ذاته، وإلى أن إنكار التقدُّم الفني خلال عشرات القرون والعودة إلى حالة بدائية أمرٌ لا مبرر له على الإطلاق بعد تطور الذوق الموسيقي كل هذا التطور. أما العزف الآلي فتجرِبة ثبت إخفاقها؛ إذ إن كلَّ ما وصلت إليه الآلة هو أن تحفظ فن الإنسان وتسجله، كما في الأسطوانات الموسيقية، أما أن تَحُلَّ محل الإنسان في العزف، فهذا ما يؤدي بالفعل إلى تدهورٍ لا إلى تقدُّم؛ فالموسيقى، قبل كل شيء، حديثُ إنسان لإنسان. |
|
فقام يتعثَّرُ بأذياله، ورجع بالخيبةِ إلى مولاه، وبعد أن أخذ قليلًا من الراحة ركب وسار إلى أن دخل على الملك «أفراسياب»، وأخبره بما حصل، فلمَّا سمع ذلك قامت قيامته، واشتعلت عيناه في أُمِّ رأسه يقدح منها الشرر وهدر وزمجر، وأمر في أسرع وقت بتحضير الجنود، وركب بجيشه الجرار، وهجم على «نينوى» — وكان الوقت الذي جاء فيه «روبير» — فهدم حُصونها، ودكَّ أسوارها، وفتحها عنوةً، وأسر الملك «أكيا كسار»، وأخرج الحُرُم من القصر سبايا عرايا باكيات العيون، وبينهن «شاهزنان» كأنها القمر بين النجوم. ولما رآها تبكي وتلطم وجهها، وتستغيث نظر إليها بعين العاشق الولهان، وقرب منها، وقال: خفِّضي عنك أيتها الغادة، فإنَّك عمَّا قريبٍ تكونين ملكة بابل. فنزل هذا اللفظ على قلب «شاهزنان» نزول الصاعقة، وقالت: انزع من فكرك هذا أيها الملك الظالم، فوحرمة الشرف الذي هدمته والناموس الذي وطأته، إنك لو أجبرتني على ذلك لأقتلنَّ نفسي قبل أن تضع يدك عليَّ. |
|
د. فهيم (بصوت مُتأثر) : أنا فعلًا يا نادرة عمري ما عرفت الألم، كنت باجي لغاية عنده واهرَب. حياتي كلها كانت سهلة، أبويا علمني وصرف عليَّا في كلية الطب، كنت ارجع ألاقي عشاي جاهز وسريري جاهز وأودتي نضيفة، كان عندي كل حاجة، عمري ما عرفت يعني إيه واحد يجوع، وبقيت دكتور وأستاذ طب. ما عرفش كل حاجة كانت سهلة ازَّاي؛ عشان كده كان متهيَّأ لي إن كل حاجة سهلة والدنيا مافيهاش ألم. حتى لما كنت بسأل العيَّان وأقولُّه فين الألم يا ابويا؟ ويشاور على صدره أو بطنه، أحط إيدي على جسمه وما احسش بالألم. وأنا صغير لمَّا كانوا يغرزوا في دراعي حقنة التطعيم كنت اصرُخ من الألم، وفضلت طول عمري اكره آخُد الحُقَن. أصعب ألم شُفته في جسمي هو إبرة التطعيم، لكن لما كنت أغرز الحقنة في دراع العيَّان ويشد إيده أستغرب ليه بيشدها، وأقول له ما تشدِّش إيدك وخليك شُجاع وخليك راجل، مع إني كنت عارف بعقلي كطبيب ازَّاي الجسم يتألم، لكن ما كنتش عارف بإحساسي يعني إيه ألم، العقل سهل يعرف ويتمِلي معلومات عن أكبر المُعضلات اللي في الدنيا والعلوم، سهل إن العقل يتعلم، لكن الإحساس! أصعب حاجة إن الإحساس يتعلم. ذنبي إيه يا نادرة؟ ذنبي إنه ظروفي كانت سهلة وكويسة؟ ذنبي إيه؟ |
|
وتبلغ قمة الإبداع الخالص في التفكير على الموضوعات الإنسانية الخالصة في الأخلاق والاجتماع والسياسة بصرف النظر عن الرافدَين الأساسيَّين في التكوين الفلسفي: الوافد والموروث١٦ ثم ينتقل الإبداع إلى العلوم الفلسفية الخالصة مثل ما بعد الطبيعة. وفي مقدمتها الموجودات المُفارِقة وخلود النفس.١٧ ثم يبلغ الذروة في التفكير في الموضوعات الرياضية والطبيعية الصرفة حيث يتمُّ الإبداع في أتم صورة دون جدال أو نقد أو إشارة إلى أحد المصدرَين: الوافد أو الموروث.١٨ لقد بدأت الفلسفة عند الكندي والرازي تفكيرًا على العلم بالأساس؛ أي العقل في مواجهة الطبيعة. ثم انحرفت بمؤامرة داخلية لضربها وأصبحت فلسفة إشراقية؛ تأملًا في النفس وانعراجًا إلى الله عند الفارابي وابن سينا وإخوانِ الصَّفا والشيعة وامتدادها عند ابن باجة وابن طُفَيل، ثم عادت من جديدٍ نحو العقل والطبيعة عند ابن رُشد. هناك إذن نموذجان: الأول الفلسفة العقلية الطبيعية التي ميزت البداية والنهاية والتي هي أشبهُ بالرأس والقدَمَين، ونموذج الفلسفة الإشراقية التي احتلت الوسط والتي هي أشبهُ باندفاع البطن الذي في حاجة إلى دواء ليعود التناسق إلى الجسم الفلسفي. وهو نفس التمايز في علم أصول الدين بين الأصول الإنسانية العقلية الطبيعية عند المعتزلة، والأصول الإلهية عند الأشاعرة. |
|
كان السيد فرانسيمري يعرف السيدة براكسفيلد منذ بضع سنوات. فقد أقام في نزل سيبتر إن مرة أو اثنتَين قبل مجيئه للعيش في «ذا وارن». وكانت السيدة براكسفيلد آنذاك تُدعى السيدة رين؛ إذ كانت أرملةَ السيد بيتر رين الراحل. كانت امرأةً ذكية نشيطة مُدبرة، وكانت تعرف من أين تُؤكَل الكتف. كان بيتر قد ترك لها أموالًا وطفلةً واحدةً تُدعى بوبي، وكان مظهر بوبي واعدًا منذ نعومة أظفارها بأنها ستكون حسناء للغاية، وقد أوفى بوعدِه. واصلت السيدة رين جني الأموال من نزل سيبتر، وكان الناس يقولون إنها تكنز ثروةً من أجل بوبي؛ وبالطبع نشأت وترعرت بوبي كفتاةٍ راقية، وأُلحِقَت بمدارس داخلية راقية، وما إلى ذلك. وبعدئذٍ، تقاعدت السيدة رين عن العمل فجأة، وأخذت بيت وودلاند كوتيدج، وتزوَّجَت براكسفيلد. لم يعرف أحد قَطُّ سبب هذا الزواج؛ إذ واصل براكسفيلد حياته المُعتادة في ماركنمور كورت، وإذا زار زوجته أصلًا، فكان يزورها ساعةً أو اثنتين فقط بعد الظهر أو في المساء، أو كان يقضي معها عطلات نهاية الأسبوع على فتراتٍ مُتباعدة جدًّا. لكنَّ أهالي الحي كانوا يقولون إنَّ براكسفيلد أيضًا سيتقاعد يومًا ما، حين يموت السير أنطوني على الأرجح، وحينها يعود بكل تأكيد إلى وودلاند كوتيدج وإلى زوجته إلى الأبد. |
|
(٥٥) هوادٍ: من الهداية، يقال: هداه فهدي. والأملاك: الملوك. وتخير بحذف إحدى التاءين: أي تتخير. والكماة: جمع كمي؛ البطل المستتر في سلاحه. يقول: إن هذه الرماح تهدي أربابها أو تهتدي هي بنفسها إلى الملوك فتقتلهم كأنها تتخير الأبطال فتأبى إلا خيارهم وسادتهم. وفي مثل هذا يقول أبو تمام:
قَفَا سِنْدبَايَا وَالْمَنَايَا كَأَنَّهَا
تُهَدَّى إِلَى الرُّوحِ الْخَفِيِّ فَتَهْتَدِي
(قال ياقوت: سندبايا: موضع بأذربيجان بالبذ، من نواحي بابك الخرمي. قال أبو تمام يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف:
رَمَى اللهُ مِنْهُ بَابَكًا وَوُلَاتَهُ
بِقَاصِمَةِ الْأَصْلَابِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ
فَتًى يَوْمَ بذ الْخُرَمِيَّةِ لَمْ يَكُنْ
بِهَيَّابَةٍ نكْسٍ وَلَا بِمعَرَّدِ
قَفَا سِنْدَبَايَا وَالرِّمَاح مُشِيحَة
تُهَدَّى إِلَى الرُّوحِ الْخَفِيِّ فَتَهْتَدِي) |
|
ولم تُمانع .. فنهضتْ قائمةً إلى حيث جلسا جنبًا لجنب على كنبةٍ كبيرة. وكانت تتقاسمها في تلك اللحظة مشاعر المَيل إلى الرجل الذي تُحبه، وأحاسيس التحدِّي للرجل الذي قد تُمنِّيه نفسه بأنه قادر على الضحك على ذقنها. واقترب الرجل منها رويدًا حتى لاصقها، ثم أحاط خاصِرتها بذراعه، وهي مُستسلمة ساكنة لا تدري متى يحقُّ لها المقاومة .. ومدَّ يُسراه إلى ذقنها فرفع ثغرها إليه وهوى بفمه مُتمهلًا كأنه ظمآن يكرع من جدول، حتى التقت الشفاه .. وطال التقاؤهما كأنما أخذتهما سِنةٌ من الغرام. وأمَّا هو فكان يستجمع حرارته وقوَّته في شفتَيه لينفُذ بهما إلى ما يريد، أمَّا هي فكانت تسكر وتثمل، إلَّا أنَّ توثُّبها أفسد عليها رُقية السحر التي تحرق شفتَيها فظلَّت مُتنبهة مُتربصة، وأحسَّت يدَه تسترخي عن خاصرتها، وترتفع إلى منكبها، ثم تهفو الملاءة عنه، فخفق فؤادها بعنفٍ، وتصلَّب عنقها مُبتعِدًا عنه، وأعادت الملاءة بحركة عصبية إلى موضعها وهي تقول بجفاء: كلَّا! |